موقع خريستو المرّ
Arabic | English
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة

المقالة الأسبوعيّة

محبّة الذات

10/8/2019

 

محبّة الذات
الثلاثاء ٨ تشرين أوّل/أكتوبر ٢٠١٩​

هناك جوّ سيّء وتكرار مملّ في بعض من التربية المسيحيّة يوحي بأنّ الأنا هي أمرٌ سيّء ومثير للحذر ويستدعي ليس فقط الحيطة وإنّما أيضا الشكّ المستمرّ بها. بالطبع الكبرياء هي المشجب الذي تعلّق عليه كلّ تلك التربية تبريرها لنفسها: علينا تجنّب الكبرياء. في ما يلي أريد أن أبيّن أنّه على العكس: الأنا هي حليف في تجاوز الكبرياء، وهذه الجملة هي بالطبع مليئة بالفوضى لأنّ الحقيقة البسيطة هو أنّه بدون الـ"أنا" الإنسان ليس موجودا لا ليقع في الكبرياء ولا ليحبّ ولا لأيّ أمر آخر.
يمكننا البدء بكلمة ليسوع "أحبب قريبك حبّك لنفسك". عادة ما نشدّد على عبارة "أحبب قريبك" وننسى الجزء الآخر "حبّك لنفسك". يسوع هنا، لم ينفِ، ولم يطلبْ من أحدٍ أن ينفي، محبّة الذات والاهتمام بها، وإنّما يبدو أنّه أراد أن نبني على هذه الخبرة الأساس الغريزيّة فينا، لكي نطلّ منها إلى وجود الآخر، إلى أنّ الآخر أيضًا عنده نفس المحبّة لذاته، وأنّنا بالتالي يمكننا ان نفهم الآخر من الداخل إذا أحببناه كما نحبّ أنفسنا، يسوع يدعوني أن أشعر بعمق بأنّ قيمة الآخر لي هي بنفس قيمتي. عندها، لا نصبح ذاتين متقابلتين، منغلقتين عن خبرة الآخر وحاجاته، في عدائيّة تتصارعان على الأخذ، وإنّما نصبح في وُجود مشارِكٍ، متساوٍ في القيمة الإنسانيّة.
كلمة يسوع دعوة كي لا يعود أنا الآخر أمرًا خارجيًّا، وإنّما يصبح ذاتًا تُخَبَر داخليّاً، داخل خبرتي الشخصيّة للوجود، فيصبح الآخر لي مهمّا بحدّ ذاته كما أنا مهمّ بحدّ ذاتي بالنسبة لي. هكذا، نظرة تفتح السبيل إلى التعامل بإيجابيّة مع الأنا، فليس المهمّ إلغاء الأنا - وهو ما ليس ممكن أصلاً – وإنّما المهمّ هو أن تكون الأنا في النحن، والنحن في الأنا، بحيث تكون الأنا في مشاركة. هكذا نظرة تسمح منذ الطفولة بمحبّة الذات، محبّة حقيقيّة لا تمتّ بصلة للأنانيّة، فالأنانيّة تحكم على الذات بالانقباض والعزلة، ونتيجتها ألم العزلة والعيش في الأوهام؛ أمّا محبّة الذات فهي محبّة مشارِكَة تسمح بأن نقفز منها إلى الوصال العميق مع آخرين في حقيقتهم، وفي الآن عينه تسمح للذات بالتواصل مع أعماقها مع ينابيعها.

من لا يحبّ نفسه فعلاً لا يمكنه أن يحبّ غيره فعلاً، فمحبّة الذات تعني العناية بها والتحسّس لآلامها والانتباه إلى مسبّبات تلك الآلام وتجنّب ما أمكن منها؛ من عاش هذا بينه وبين نفسه استطاع أن يتعاطف مع أنا غيره ووجوده الخاص، وأنّ يخرج إليه للّقاء به. هذا لا يعني وضع العقل جانبا، بالطبع هناك في هذه الحياة أناس مؤذين جدّا، يقال لهم «مُسِمِّين» بالإنكليزية، ومن الضروريّ تجنّبهم من أجل المحافظة على الصحّة النفسيّة والجسديّة. من هنا لم يدعو يسوع للبله، فقد أردف قوله "كونوا ودعاء كالحمام" بقوله "وحكماء كالحيّات"؛ من هنا للعقل أهميّة كبرى في اختبار المحبّة لأنّ به (وبنعمة الروح) يتمّ التمييز بين الأوضاع.  

الأنا مدعوّة منذ الطفولة أن تتهذّب في مجتمع عائليّ أولاّ ثمّ أوسع، بحيث تأخذ بعين الاعتبار الآخر وحاجاته، وحقيقة وجوده؛ بحيث تنطلق من قاعدة الرغبة بالحياة، المرسومة في كيانها، للتعرّف على أنّ الحياة تكمن باختبار المشاركة مع الآخرين. هكذا رؤية تسمح لنا أن نحبّ أنفسنا حقّا، محبّة تتطلّب جهدَ حياةٍ بأكملها، لأنّها تعرف أنّ محبّة الذات قاعدة نقفز منها بثقة إلى مغامرة المشاركة. دون محبّة عائليّة أصيلة تعتني بالأنا ورغبتها بالحياة، يكون من البطولة أن يصل إنسان إلى عيش أصيل للمحبّة، ولكنّنا نعرف بالخبرة اليوميّة أنّ هذا ممكن. فصورة الله في الإنسان وإن تكبّلت بفعل الظروف فهي لا تتحطّم، بل تصرّ على الحياة الحقّة بالمشاركة.
​
كلّ تبخيس للأنا وتشكيك دائم بها، مرشّح أن ينتج أناسا خائفين لا يشعرون بالأمان، غير واثقين، يخشون قفزة المحبّة، بل ويخشون قفزة الإيمان، فما من محبّة وحبّ يبدآن دون إيمان: على الأقلّ إيمان بأنّ المحبّة ممكنة، أي بانّنا قادرين أن نحبّ أو بأنّ أحدًا أحبّنا أولاً. إنّه لمن الأفضل والأكثر فرحا أن يكون عنوان التربية، وعنوان نظرة الإنسان إلى نفسه وحياته (وهنا لبّ الموضوع)، أن يسعى الإنسان إلى تحقيق أمرٍ جميلٍ كمحبّة الأنا والآخر، عوض أن يسعى إلى تجنّب أمر سيّء كالكبرياء. قضيّة الرؤية ليست هامشيّة.
 
خريستو المرّ

Comments are closed.

    الكاتب

    خريستو المر

    الأرشيف

    December 2023
    November 2023
    October 2023
    September 2023
    August 2023
    July 2023
    June 2023
    May 2023
    April 2023
    March 2023
    February 2023
    January 2023
    December 2022
    November 2022
    October 2022
    September 2022
    August 2022
    July 2022
    June 2022
    May 2022
    April 2022
    March 2022
    February 2022
    January 2022
    December 2021
    November 2021
    October 2021
    September 2021
    August 2021
    July 2021
    June 2021
    May 2021
    April 2021
    March 2021
    February 2021
    January 2021
    December 2020
    November 2020
    October 2020
    September 2020
    August 2020
    July 2020
    June 2020
    May 2020
    April 2020
    March 2020
    February 2020
    January 2020
    December 2019
    November 2019
    October 2019
    September 2019
    August 2019
    July 2019
    June 2019

    Categories

    All

    RSS Feed

 ليس من حبّ أعظم من هذا : أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه: يسوع المسيح
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة