موقع خريستو المرّ
Arabic | English
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة

المقالة الأسبوعيّة

القتل المعنوي

7/7/2020

 
الثلاثاء ٦ تمّوز/ يوليو ٢٠٢٠
خريستو المرّ

من ناحية إنجيليّة مبدئيّة كلّ قتل لآخر هو شرّ، إذ أنّ هناك طعنة للأخوّة الإنسانيّة في كلّ قتل. من منطلق الدفاع الانجيليّ عن الحياة، قد يستطيع الإنسان تبرير قتل اضطراريّ كوسيلة أخيرةٍ دفاعًا عن حياة آخَر، ولربّما استطاع أن يبرّره دفاعًا عن حياته. أمّا القتل لغير الدفاع عن الحياة فهو نزول في بحر من ظلام مهما برّره الإنسان. عقوبة الإعدام هي قتلٌ غير اضطراريّ مُبَرَّر اجتماعيًّا؛ وللمجتمع أن يختار خيارات وحشيّة ويبرّرها كما يشاء، ولن تجعل التبريرات الظلمة نورًا. كندا نزعت أولاد السكّان الأصليّين من أهاليهم ووضعتهم جَبْرًا في مدارس داخليّة مسيحيّة لكي تُنسيهم ثقافاتهم ولغاتهم، أرادت أن تمسح الألوان من مجتمعها، لكن كيف يُمحى لون الألم والدم في الخلفيّة، وكيف يُبَرَّر؟

القتل، إذًا، ليس جسديًّا دائمًا. في الثقافة، القتل هو محاولة إلغاءِ طريقةِ حياة، هو قتلٌ معنويٌّ. القاتل المعنويّ يرى الآخر أقلّ منه في الإنسانيّة، ولكنّه لا يحتمل وجوده ويريده أن يزول بتحويله إلى شبهه، وذلك بإلغاء ثقافته أو ابتلاعها، وبتهميشه في بُقعٍ جغرافية معزولة لإخفائه واستغلاله. هذا المنحى يتضاعف إن كان القاتل وجماعته قد تلطّخت أيديهم بدماء الآخرين في مجازر جماعيّة بقيت من دون عقاب، ذلك أنّ وجود الآخر تذكير دائم بالجريمة الأولى. على الآخر أن ينتفي لتُنسى الجريمة الأولى، وإلغاء الآخر المعنويّ وإخفاءه عن مجرى الحياة العامّة يصبح حاجةً من أجل نكرانٍ سحريٍّ للجريمة. هذا، مثلاً، يفسّر جزئيّا القتل المتعَمَّد وسياسات الإلغاء التي يمارسها المشروعُ الكولونياليّ الأخيرُ على وجه الأرض (المشروع الصهيونيّ) بحقّ الشعب الفلسطينيّ، بعد جريمته الأولى بحقّ هذا الشعبَ.

في النهاية القاتل المعنويّ لا يرى إلّا نفسه وجماعته ولا يحتمل الغيريّة. في العمق يرى جماعته صنمًا يُعْبَد وكلَّ اختلافٍ تحدًّيا لوجوده ونظرته الوهميّة إلى نفسه ككمال، أو كضحيّة كاملة. لهذا المتديّنون سطحيًّا يحاولون ممارسة القتل الجسديّ والمعنويّ مع كلّ مختلف عنهم، فالأنا التي ترى ذاتها إلهًا قاتلةٌ للمختلف، والأنا التي تقتل تحاول لبسَ لباسِ ألوهة مشوّهة.

على الصعيد السياسيّ، القتل المعنويّ يُتَرجَمُ سياسيًّا لعبةَ تخوينٍ تريد أن تُخرس العقل، وأن تحجب النقد عن خيارات سياسيّة تحتمل الخطأ والصواب، وخاضعة بالضرورة للمساءلة. والتخوين محاولة قتل معنويّ تهدف العزل والإضعاف، تستخدمها الأطراف جميعها ضدّ بعضها البعض في مشروع السطو المشترك على السلطة والمال، ويستخدمونها جميعًا ضدّ الشعب إن انتفض ضدّهم حتّى يستقرّ لهم توازن السطو على الغنائم، وتوازنهم هو انعدام توازن حقيقيّ بالنسبة إلى حياة الناس وطعامهم وأمانهم.

على الصعيد الفرديّ لا يرتضي البعض الاختلاف والتنوّع ويستاؤون لالتماعِ إنسان آخَرَ، فيسعون إلى تشويه السمعة، وهذه الأخيرة محاولةُ قتلٍ معنويّ يسعى بها القاتل أن يعزل الآخر، ويضيّق عليه فسحة تنفّسه الاجتماعيّ الضروريّة للحياة، علّه يختنق معنويّا، أو علّ تأثيره في الحياة يخبو. وفشل عمليّة القتل المعنويّ جحيمُ القاتل. أمّا على صعيد الجماعات، فالجماعات التي تحوّلت قبائلَ بفعل قمع التنوّع أو تهميشه وعزله، تحاول قتل الأشخاص معنويّا، فتُخرج منها كلّ مختلفٍ عن "الفكر الواحد"، تعزله كي لا ترى كلماتُه النورَ، أو كي لا ترى القبيلةُ نور كلماته. وبهذا تترك نفسها غارقة في عاداتها التي لم تعد في وئام مع الأزمنة، فلا تتجدّد. وفجأة تجد الجماعات نفسها خارج التاريخ بعدما كانت تعكس النور.
حكايتنا مع النور ليس قبضًا عليه، هي ديناميّة تحوّل. لا يضمن البقاء في النور إلاّ أن تدخل معه في حوار ومساءلة، شخصيّة وجماعيّة، كي تستضيء وتضيء، وتتجاوز ما رأيته لترى أبعد، وتبقى مُرهفًا لتصغي لأضوائه الجديدة. لكنّ الخوف قد يدعوك للجمود فتستلذّ الماضي لأنّه معروف وأسهل، ويصبح الماضي صنمًا والكلمات جوفاء. ويمكن دائما كسر الأصنام لتتجدّد الحياة وتتأجّج الكلمات.

ديناميّة المسير في النور صعبة، ولهذا قال يسوع إنّ الدينونة هي أنّ "النور جاء إلى العالم وأحبّ الناس الظلمة أكثر من النور". الإنسان يدين نفسه، ولا يشرب من نهر النور المتلألئ إلاّ من خرجوا من ظلمات عبادة الذات الفرديّة والجماعيّة، لكي تلفح وجوههم الحياةُ المتأجّجة في شمس الرحلة.

Comments are closed.

    الكاتب

    خريستو المر

    الأرشيف

    December 2023
    November 2023
    October 2023
    September 2023
    August 2023
    July 2023
    June 2023
    May 2023
    April 2023
    March 2023
    February 2023
    January 2023
    December 2022
    November 2022
    October 2022
    September 2022
    August 2022
    July 2022
    June 2022
    May 2022
    April 2022
    March 2022
    February 2022
    January 2022
    December 2021
    November 2021
    October 2021
    September 2021
    August 2021
    July 2021
    June 2021
    May 2021
    April 2021
    March 2021
    February 2021
    January 2021
    December 2020
    November 2020
    October 2020
    September 2020
    August 2020
    July 2020
    June 2020
    May 2020
    April 2020
    March 2020
    February 2020
    January 2020
    December 2019
    November 2019
    October 2019
    September 2019
    August 2019
    July 2019
    June 2019

    Categories

    All

    RSS Feed

 ليس من حبّ أعظم من هذا : أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه: يسوع المسيح
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة