خريستو المرّ
الأحد 1 أيّار / مايو ٢٠٢٢ يأتي الفطر وصلوات العيد المتهادية في صباح الميناء الجميلة ترافقني منذ الطفولة. كلُّ فطرٍ يتمنّى الصباحُ اللاهث وراء الشمس أن يسبقَها، ولو قليلًا، ليطلّ على الجامع الراكع أمام البحر، فيفرحَ بصلوات المساكين تحملها المئذنةُ لتضعها أمام عرش الحبّ، تَوجُّهًا نحو الواحد الأكبر. في فرح العيد نتبادل والأصدقاء أضواءً خبّأها الله في القلوب لتعرفَ تلك كيف تصير نورًا إلهيًّا ممتدّا عبر الأديان وفوقها. بالقلوب يصدقُ الوعدُ الإلهيّ بأن يحميَ اللهُ محبّيه من «الموت»، وأن ينصرهم بالمحبّة التي لا ترى إلّا الوجوهَ، فيَهزِمون معه الأحزابَ التي تستبدلُ الأخوّةَ الإنسانيّة التي أرادها الله بمصنوعاتِ البشر. المتأمّلُ في الفطر يعرف أنّ الإخلاص لله كان مسارًا في الصوم يقولُ فيه الإنسانُ بجوعه الطوعيّ أنّ الله هو المـُحِبُّ الذي أهدانا الدنيا وما فيها، ولكنّه محبوبُ القلب ولهذا هو أهمّ من هداياه. طيلة رمضان وضع الصائمُ الهدايا جانبًا إلى حينٍ وانتظر المحبوب على باب النجوى. أمّا اليوم، فعيدُ اللقاء، تأكل فيه القلوبُ المشاركةَ طعامًا أبديًّا يلقيه اللهُ في الصدورِ حبًّا وشجاعةً يحتاجها كلّ حبّ. مَنْ أصغى لتهليلات العيد بعدما صام قلبه عن غير الله فلم يعبد سواه، يشعرُ بأنفاسِ الحبّ والدمعِ في طرقات المدينة القديمة الجميلة ويسمع ضوضاءَ العيدِ أغنيّةً صاعدةً من أشواقِ الإنسانيّةِ إلى البهاء. اليوم يتلمّس المعيّدون ضوءًا إلهيًّا يمسحُ عن عيونهم كلَّ دمعةٍ، فيفرحون وينسون، ولو ليومٍ، جراحَ الدهرِ الخبيئةِ في لحمهم. يطلّ عيد الفطرِ هذا العام مع عيدِ أولئك الذين يبنون هذا العالم ويعتنون به ويحضنون ما به من عطب؛ أولئك الذين يشاركون الله في تجميل الكون وإعداده حتّى يحلّ موعد العرس الساطع في الفجر الأخير. ولا يتساوى الذين يعملون على العناية وأولئك الذين يعملون على التدمير ويُعمِلون في العمّال استغلالًا. إنّ الذين يخلصون للنور يتجرؤون على الوقوف في وجه المستغلِّين؛ قد ينجحون وقد يفشلون، ولكنّهم يعلمون أنّهم بقوا على الحبّ، وأنّهم لم يخونوا أنفسهم ولا قافلة المحبّين فقد مرّنوا قلوبهم ألّا تطلب العيش، بل الحياة في كنف ربّ العالمين. إنّ الذين يخلصون للنور يتجرؤون على الوقوف في وجه المستغلِّين؛ قد ينجحون وقد يفشلون، ولكنّهم يعلمون أنّهم بقوا على الحبّ وأنّهم لم يخونوا أنفسهم ولا المحبّين، فقد مرّنوا قلوبهم ألّا تطلب العيش، بل الحياة في كنف ربّ العالمين. أتى الفطر وأنا بعيدٌ عن ذاك البحر، وعن الجامع الراكع هناك رافعا مئذنته يناجي بها السماء. لكنّي رأيتُ أمامي طفولتي راكضة في الأحياء الفقيرة فسمعت تكبيرات العيد، وهلّ الفجر. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |