خريستو المرّ – الثلاثاء ٦ حزيران/يونيو ٢٠٢٣
كان يَحْتَفّ بصوت الرجل بهاء من عالم آخر؛ لطفٌ يكاد يذهب بك عن هذا العالم القاسي أو هو يكشف لك عن حقيقة هذا العالم إذا الناس أحبّوا. أمام وجه تعرف أنّ القساوة غريبة عن هذا العالم لو أنّ العالمَ سمح للمحبّة بأن تعجنه. كان من العالم، حمل همومه، كان قلبا يستمع أو شيئا مثل إطلالة إله على البشر يمسح همّ المساكين ودمع الفقراء، وإن كان قد سمعهم فلأنّه كان فقيرا بدوره ولم يعوزه شيء، فجعل همّه أن لا يردّ طالبًا حتّى ولو أكل قطعة من قلبه وهو لم يكن يعطي أقلّ من ذلك. ولا يحلمُ الفقراءُ بأن يفهمَ المكتَفونَ مثلَنا جائعًا وهو كان من الجائعين إلى وجه يسوع فعرف كيف يوزّع قسمات وجه المسيح الخبيء بين ثنايا وجهه. لم يردّ أحدًا ولهذا حين كان يراه الناس كانوا يرون أخيهم الذي أحبّ على المنتهى ويضيء أشواقهم كي يصيروا أمثاله، فيكونوا كيسوع. لم يره الكثيرون رجل دين فقد كان في عيونهم وجهًا، وجهًا فقط، ولهذا يضيء إلى اليوم بيننا من خلف القبر البارد بكلّ دفء الحبّ الذي أعطاه بتدفّق هادئ لا يعرف انتهاء. جعل من لحمه ودمه بيتًا لذاك الذي عُلِّقَ على خشبة فأضاف بذلك بيتًا جديدا إلى بيوت الآب الكثيرة في الملكوت. كان منزلًا من منازل الله الحيّة التي أعدّها الله منذ اليوم كي يرتاح الناس إليها فيلاقوا وجه الآب بعيونهم وقلوبهم ولو لم يعرفوا. فإن قال يسوع إنّ في بيت أبيه منازل كثيرة أُعدّت للذين أحبّهم فأحبّوه، وأنّه ذهب ليعدّ لهم مكانًا، فقد عنى ذلك أيضًا أنّه أرسل روحه في القلوب وأنّ هناك قلّة تصادق الروح وتسلّمه شراع حياتها فيحوّلها إلى سفينة حبّ في هذا العالم ولأجله، يصعدها المتعبون الذين يحنّون إلى جزيرة تلتمع وتحتجب خلف ضباب الوجع. لم يكن سيّدا، كما دعاه الناس، كان يشير إلى السيّد الوحيد ولذلك عرفت الدموع التي كُرَّت يوم رحل أنّه ساد بالمحبّة الأخويّة على القلوب فكان روحا لطيفةً تنقل من خلف ألفين كثيفين من السنين المليئة بالتسلّط والاستهتار بحياة الناس في الكنيسة وحولها، تنقل ملامح وجه يسوع كما رآه التلاميذ في بوادي فلسطين. أعاب عليه الأذكياءُ المعتدّون بشهاداتهم الجامعيّة وعبيد الفعاليّة والأرقام أنّه كان يضيّع وقته على الطرقات لكي يقضي للسائلين حاجاتهم، وهو كان يرى السائلَ يسوعه، كان يرى يسوع في أولئك الذين ألقاهم اللصوص على طرقات المدينة المبنيّة فوق جماجم المستغَلّين، المحاطة بأنهار الدموع. كان بولس بندلي الرسول بحنانه البعيد حتّى الينابيع، إن رأيته رأيت رجلا، وإن عدت إلى أحلامك التي مزّقتها أو دفنتها أو قايضتها وجدته طفولتك عندما كنت تخشى أن تدوس نملة خطأً، وتتمنّى أن تصير لونا فوق جناحي فراشة وأن تعرف لغة العصافير حتّى تدلّك على الغناء وتدلّها على اللعب، وأن تنام جانب يسوع حتّى لا يموت وحيدًا. لم يتركنا بولس بندلي وحيدين فحنانه يضيء إلينا من خلف التراب الذي صنع جسمه فجعله بالحبّ سماء، ليلاقينا دائمًا بيسوع. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |