خريستو المرّ
الثلاثاء ٢٠ كانون أوّل / ديسمبر ٢٠٢٢ يا رفيق الغرباء، يأتي عيدك فنحاول أن نتمسّك بالفرح، في لقاء، في عطاءٍ، في إشراقة شمس، أو في نجمٍ بعيد في ليل البلاد. نخاف سارقي الفرح يا أيّها الآتي الذي أتيت، والكائن الذي كان والذي يأتي. أنت الغريب الذي طفولته أراد القاتل أن يقتله كي يسطو اللصوص على فرح الأرض بملامستها السماء، وفرح القلب بملامسته الضياء. طاردوك وأنت بعدُ طفلٌ، ولاحقتك أوامر القاتل، فهرب بك أهلك. والقاتل يتناسخ في كلّ جيل، ولطف الطفولة يتكاثر في كلّ حبّ، وإخوتك المُحبّين ما زالوا يُضطهدون من أبرياء بيت لحم إلى كلّ بريءٍ اضطُهد في بلاده، أو طُردَ خارجها كما طُرِدت عائلتك في طفولتك. في طفولتك الهشّة البريئة تخفّت ملوكيّتك، فأشار إليها زوّارك بأنْ أهدوك ذهبًا كما تُخبِرُ حكايتك الغريبة. إنْ دعاك محبّوك ملكًا فَهُم لا يخلطون بين مُلكِكَ ومُلك قيصر؛ أمّا الذين اتّخذوك وثنًا لسطوة القبيلة فيحلمون بمُلكٍ مغمّس بالبطش والدماء. رآك يهوذا ذاهبا إلى الموت فخانك لأنّه تمسّك بصورته عنك كملك مُحاربٍ، ولم يرك ملكًا عندما غسلْت أرجل تلاميذك لتقول إنّك ملكٌ خادمٌ للحياة. اليوم أيضًا، يهوذا بيننا كثرةٌ لا تفهم أنّك كسرْت سيف التسلّط بين أتباعك الحقيقيّين ليغدوا خارج صراع المالك والمملوك، ويصبحوا حلقة من الخدّام حولك يغسلون قدميّ الأرض بالصداقة والأخوّة والحبّ ليضيء التراب. حين كبُرتَ وهمّوا باختطافك كي ينصّبوك ملكًا تواريتَ، ولم يعلنْك أحد ملكًا إلّا قاتلوك عندما كتبوا تلك العلامة فوق رأسك يوم صعدتَ سلّم الآلام، وأسلمت الروح عاريًا من كلّ بطش ومكلّلا بالشهادة. عندها بدت الأرض البسيطة سماءً بعدما نامت السماءُ البسيطة في ذاك المزود يوم ولدت وحملتك مريم، وكنت قد كبرت بين يديها لتنام أخيرًا فوق شجرة الحياة بعد تلك الجلجلة. والجلجلة في فلسطين باتت مسيرة شعب كامل بات وجهك المتألّم والمنتصر. كما احتملتْ مريم سيف الفجيعة فوق تلك الجلجلة لنولد نحن في مزود الحبّ الإلهيّ، سكّن أنتَ أوجاع مريم الكامنة في كلّ أمّ يجتاز أحشاءَها سيف الاحتلال والاضطهاد العنصريّ. يُقال إنّك أُهديت في ولادتك مرٌّ، وأنت تذوّقت المرّ قبل أن تدوس الموت بموتك لتعطي لمرارة فَمِنا أفق نصرٍ قريب. ويُقال إنّ هديّتك الثالثة كانت طيبًا، وفي شبابك سكبت امرأة طيبًا على رجليك لتشير إلى موتك القريب. أنت طيّبنا بالطيب الزكيّ الذي تسكبُه السماءُ كلّ يوم فوق أرجل المحبّين، كلّما ساروا عميقًا في الحبّ فوق جلجلاتهم الكثيرة، وكلّما واجهوا بالحبّ ظلم الظالمين، وكلّما أضاؤوا فأرادت المجتمعات المرتاحة إلى كهوفها أن تدفنهم في الخارج على عجلٍ. أنت تطيّب المحبّين الشاهدين للحقّ والحياة إذا ما عرّاهم الحبُّ البسيط من كلّ ظُلمةٍ ليتلألأوا معك. أيّها الطفل الغريب، الضعيف المرتجفُ، الفاتحُ عينيه على الهشاشةِ، وعلى دهشة الخليقة، ستبقى أمامنا جنونًا وفضيحةً للجشع ونداءً للمشاركة. لم يحتمل المدفونون في تسلّطهم وممتلكاتهم حرّيتك وجمالك، فحاولوا قتْلك طفلاً، ثمّ شابًا، حاولوا أن يجعلوك على صورتهم لا صورة لك ولا جمال، ولم يتخيّلوا أنّ بذهابك في الغربة إلى أقصاها، إلى الموت، سطعتَ حقيقةً إلهيّةً-إنسانيّة، وانتصرتَ بالحبّ المكسورِ رفيقًا أبديًّا للكلّ، وخرج من جرحك نهرُ تجديدِ الخليقةِ وفرح المشاركة. أيّها الطفل، الملك في مملكة الحبّ، بولادتك تعانق السماء الأرض، وتقول إنّ الأرض يمكنها أن تكون السماء أو تهجّئتها. بك صار المـُحِبُّ الأزليّ محبوبَه، وميلادك يحوّل محبّيك أولادًا على أبواب الأبديّة في قلب الله، ليضيؤوا بالألق الإلهيّ، ساكنين في الأرض متجذّرين في السماء، محبّون ومُضطهدون، فقراء ويغنون كثيرين، يفتقرون الى كل شيء ويفيض عنهم كل شيء، مبغوضون بلا سبب وفرحون. يا طفل الحبّ المرتعش المنتصر، يا قدرة الحبّ المجنون، اجعلنا رفاقَك، ليصبح كلّ شيء فينا وبين أيدينا في خدمة الحبّ. لا نطلب مَلِكًا غيرك لأنّك حرّية ولا نريد أن نكون عبيدا لأحد. أنت تريد رفاقَك ملوكَ حبٍّ مثلك، ولهذا يتبعك المحبّون من كلّ الأرض، في كلّ جيل، ويجرون خلفك في كلّ رحلةٍ غريبةٍ، لأنّك ما تأخذهم إلّا إلى أنفسهم الساطعةِ وحياتهم العميقةِ. يا طفل القدرة الكلّية، في المزودِ البسيط أعلن ميلادُك لقاءَ الحبّ بين الله والبشر وغدت إنسانيّتنا عيدًا. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |