خريستو المرّ – الثلاثاء ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٣
البلاد منحدرة إلى الجحيم بفعل شبكة المصالح بين مصرفيّين وسياسيّين ورجال دين، التي أثرتهم وأفقرت ما يناهز الثمانين في المائة من الناس بحسب آخر الإحصاءات. أولئك هم أعداءنا الداخليّين الحقيقيّين الذين يقتلونا ويقتلون اولادنا. هم مرتاحون بأنّنا لن نرى عداوتهم لنا، لأنّهم لا يطلقون الرصاص، ويكتفون بقتل الناس برصاصة الفقر. إنّ أولئك المناهضون لإسرائيل كما ينبغي، والذين يشتهون التطبيع معها ونواجههم، مشاركون معا يدًا بيد وبكلّ وقاحة وبكلّ انعدام إحساس في قيادة البلاد إلى الهاوية. وحين يهتمّ أحد الفريقين بخاصّته، فهو يهتمّ بها من منطلق طائفيّ، ومن منطلق الاستتباع، ودليلنا انعدام أيّ برنامج عمل وخطّة لدى الفريقين لخروج البلاد من الهاوية. حتّى الآن لم يتحوّل لبنان إلى ديكتاتوريّة عارية الوجه، وبقيت بضع كلمات ضوء في هذه العتمة. في ظلّ هذا الواقع، يعزم مجلس نقابة المحامين لكمّ أفواه أعضاء النقابة في محاولة لخنق كلّ كلمة يمكن أن تذكّر الممسكين بزمام البلاد بمسؤوليّاتهم، وتذكّر النقابات ومنها نقابة المحامين بمسؤوليّاتها المعنويّة، وتدافع عن حقوق المهمّشين في هذه البلاد. لا فخر للبنانيّين لا في طوائفهم ولا أديانهم ولا في تاريخها وإنّما فخر الناس ما قد حصل، هكذا تعلّم المناهج المدرسيّة منذ الصغر، وهكذا سيحكم أولاد هذه البلاد على مَن يتفاخرون بتاريخ طوائفهم وبعقائدهم بينما ينزل أولادهم إلى الجحيم دون أن ينبسّوا بشفة، وتكمُّ أفواههم وهم لا يتحرّكون. الخطوة الأولى للنجاة هي العصيان، عصيان التوق الفطريّ لاتباع المألوف. إنّ فضيلة الإخلاص لأشخاص أو لأحزاب دون تفكير ونقد لمواقفهم التي توزّع الإعاشات المذلّة وتمنع الحصول على الحقوق الأساس، والتي تسمح لمصارف مفلسة أن تستمرّ قابضة على جنى الناس، والتي تبيع الناس كلامًا وتناشدهم الصبر بانتظار ما يعدّونه لهم من مزيد من التبعيّة والفقر، هكذا إخلاص هو بمثابة رذيلة. لن يستقيم إيمانٌ في هذه البلاد إن لم يجتمع الناس من الخلفيّات المختلفة ليكونوا كلمة حقّ واحدة. العنصريّة اللبنانيّة في منازلها الكثيرة، تمنع اللبنانيّات واللبنانيّين أن يروا أنّ الشعوب التي يتعالون عليها قد سبقتنا أشواطا في الحرّية والكرامة، وأنّها لم تفعل ذلك بسهولة، تمنعهم أن يعرفوا عدد الثورات الفاشلة التي قام بها أهل سريلانكا أو الهند أو كوبا أو فنزويللّا حتّى تحرّروا وبنوا سيادة وخرجوا ويخرجون من الفقر. بلادٌ لا تكمّ أفواه السفراء وتنتظر وتستقدم التدخّل من كلّ حدب وصوب يُخشى أنّها لن تستحقّ الحياة وأنّها تقضي على نفسها بنفسها. إنّ انقضاض مجلس نقابة المحامين على عدد من المحامين النقديّين ومنهم المحامي الشجاع نزار صاغيّة وصمة عار بحقّ النقابة وصمتنا وصمة عار بحقّنا كشعب. المتكلّمون قلّة، هم بقعة ضوء ينبغي ألّا تتضاءل، بل أن تتوسّع. هذا يلقي المزيد من المسؤوليّة على الشرفاء العاملين في الحقل العام كي يتوحّدوا وهم اليوم متفرّقون. نزار صاغية وقف بجانب المهمّشين حين لم يقف معهم أحدا، وناوئ المتجبّرون الجالسون على أرائك الحكم الدينيّ والسياسيّ، نناوئ معه اليوم أولئك الذين يريدون للفكر الشريف وللأفواه المضيئة أن تنطفئ. حين كانت الناس نيامًا عن الحقّ، وحرّاس القبور مسلّحين بالجبروت، نزل المحامي نزار صاغيّة إلى جحيم المهمّشين الذين رمتهم الأديان والطوائف والدولة إلى زوايا النسيان ليخرج معهم إلى ضوء الكرامة والحرّية. كان نزار يقتضي بالمعلّم الذي مدّ يديه على خشبة، ولكنّه كان يفعل ذلك دون أن يعلم. اليوم يريدون أن يرفعوه على خشبة الظلم، ونحن نرفعه على كتف الحرّية. هو اليوم كلمة للحقّ وهُم خيانتها. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |