خريستو المرّ - الثلاثاء ١ آب/أغسطس ٢٠٢٣
لا نستطيع، مهما حاولنا، أن نصف إنسانًا آخر بطريقة تجعله «معروفا» لإنسان لا يعرفه، وحتّى لا نستطيع أن نصف بشكل كامل إنسانا لمن يعرفونه، إذ يبقى الشخص أبعد من تعريفاته مهما حاولنا أن نجعلها كاملة. يستحيل علينا التعريف الكامل بشخص. أمام الشخص نحن أمام معرفة الخبرة، وهي معرفة لا تنتهي، ندخل مع شخص في خبرة علاقة ومن خلال العلاقة «نعرفه» ولكن يبقى الشخصُ دائمًا خارج تلك المعرفة عنه، إذ نكتشف دائمًا وبشكل مستمرّ طوال الحياة شيئًا فيه أعمق وأبعد ممّا «نعرفه» عنه. والحقيقة أنّ هذه معرفتنا الحقّة لإنسان آخر، معرفتنا التي تغوص أعمق من السطح والعموميّات، لا يمكن أن تبدأ دون تعاطف، دون محبّة. فالأفكار المجرّدة «الباردة» لا يمكنها أن تسمح لنا بتفاعل من الداخل مع مكنونات الإنسان الآخر وحالاته وخبراته، وهو التفاعل الضروريّ لمعرفة تتجاوز الفكر لتصل إلى المعرفة الشخصيّة، الكيانيّة. ففي النهاية نحن لسنا أفكار وأدمغة وإنّما كائنات متجسّدة لها وجدان ونفس ومشاعر لا يمكن الولوج إليها إلّا بالأفكار والمشاعر معًا، أي بالتعاطف أوّلًا وهي كلمة تختصر الكيان في امتداده نحو الآخر. من خلال خبرتنا مع البشر يمكننا أن نقيس خبرتنا مع الله الذي لا نراه. الله شخص وليس قوّة. وإن كانت معرفتنا لشخصِ إنسانٍ ستبقى دائما ناقصة بالضرورة ومحدودة بالضرورة فكم بالأحرى معرفتنا لله؟ معرفتنا به محدودة كون الله شخصًا آخر، وهو أكثر من ذلك آخر مُطلَق. الأمر الثاني الذي يحدّ من معرفتنا لله هو أنّه آخر مُطلَق غير مخلوق، بينما كلّ مقارباتنا لله هي مقاربات محدودة بالخبرة البشريّة ولغاتنا وحضاراتنا وبكلّ ما هو مخلوق. لهذا سيبقى الله خارج كلّ تحديداتنا عنه. كلّ شيء نحياه هو في النهاية غير كامل ومحدود، ولكن ضرورات التواصل البشريّ تفرض علينا أن ن Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |