الحبّ الذي يتجلّى
الثلاثاء ٢١ نيسان/ أبريل ٢٠٢٠ خريستو المرّ نور الله الأبديّ ليس في مكان ما على هذه الأرض أو بعيدٍ عنها، ولا نحن نجده في شعلةٍ ما. نور الله الأبديّ هو أقرب إلينا من أنفسنا. فَإِنْ قيل أنّه ها هُوَ هنا، أو هناك، في البرّية أو الشعلة أو المدينة أو القرية فلا نَخرج ولا نُتْعِب أنفسنا، لأنّ نور الله هو في "القلوب"، داخل الإنسان، في كيانه، في عمق ما يقول فيه: أنا. يُضيء اللهُ الإنسانَ بالروح القدس، يُضيئه من الداخل، فيحلّ فينا الملكوت اليوم، وننمو فيه، وينمو فينا على هذه الأرض. المسيح نفسه فينا ونحن فيه. ألا يكفينا هذا؟ وهل من أكثر؟ يحضن الله الخليقة كلّها ويشعل القلوب بالحبّ والحرّية. وتكفي هاتان الكلمتان ليكون الانجيل من أخطر الكتب، في الكنيسة وفي العالم. مشكلة محبّي التحكّم بضمائر العباد – في الكنيسة وخارجها – أنّهم يتعاملون مع يسوع المسيح المكتوبة تعاليمه في كتاب لا يمكنهم تمزيقه ولا تهميشه ولا حرقه وسيعارض أهواءنا إلى الأبد. الانجيلُ يفخّخ أكبر سلطة في هذا العالم لأنّه يحمل رسالة تحريريّة لا يمكن محوها، مهما فعل من جعلوا هدف حياتهم إدارة الضمائر، ومن رشّحوا أنفسهم لإدارتها. "قام المسيح ولا ميّت في القبر"، كما تقول قطعة طقسيّة فصحيّة. حسنا، قام المسيح، فماذا نفعل الآن؟ إنّ وجود المسيحيين ككنيسة تكوّنها المناولة (سرّ الشكر)، يكمن في نموّ شخصيّ وجماعيّ في يسوع القائم من الموت، مسيرة اتّحاد في المسيح القائم. هذا التوجّه العاموديّ – ان صحّ التعبير – لا يمكنه أن يكون مقطوعا عن التوجّه الأفقيّ، عن التزام هذه الأرض، عن عيش فرح القيامة في هذا العالم. لفتني مرّة أحد الكتّاب - ولا يحضرني الآن من هو وكلّنا تتلمذ لكثيرين من تلاميذ يسوع- إلى قول لوقا في كتاب أعمال الرسل بعد صعود المسيح «وفيما كانوا يَشْخَصون إلى السّماء وهو مُنْطَلِقٌ، إذا رجلانِ قد وقفا بهم بلباسٍ أبيض، وقالا: أيّها الرجال الجليليّون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إنّ يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي كما رأيتموه منطلقا إلى السماء» (أعمال 1: 10 11)؛ وكأنّهما كانا يقولان لنا بأنّ بعد الصعود: ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء تبحثون فيها عن المسيح؟ المسيح بينكم. مهمّتكم الآن هي أن تنظروا إلى الأرض، أن تعمّدوها، أن تحوّلوها كما يحوّل الخمير العجين، كي تحمل طعم الخبز السماويّ، أن تعملوا على بثّ روح الحبّ والحرّية في هذا العالم ليصبح بالفعل لا القول عالم الله. أليس ملكوت الله هو ملكوت الحبّ والحرّية؟ بلى إنّه كذلك، يكفي يسوع في الانجيل لنفهم ذلك، يسوع هو السلطة العليا في الكنيسة؛ ولكن لمن يحتاج لكلام آخر ليطمئنّ قلبه، فهذه كلمات واضحة للقدّيس اسحق السريانيّ «الحبّ هو الملكوت الذي حدّثنا عنه السيّد رمزيّاً عندما وعد تلاميذه أنّهم سيأكلون في الملكوت: "لِتأكلوا وَتشربوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي". ماذا سيأكلون إنْ لم يكن الحبّ؟ الحبّ يكفي لإطعام الإنسان بدلاً من الطعام والشراب. هو النبيذ الذي يُسعد قلب الإنسان. طوبى لمن شرب هذا الخمر»؛ وأيضا إشارة اسحق السرياني إلى أنّ الملكوت هو "وطن الحرّية". وهل من حبّ ممكن دون حرّية؟ إنّ إيمان الكنيسة بنزول المسيح إلى الجحيم لا يكمن في التصديق بـ"أعجوبة"، إيمان الكنيسة بنزول المسيح إلى الجحيم، ليحرّر المعتقلين، يكمن في نزولها إلى جحيم هذا العالم في إثر سيّدها، مع كلّ الذين نزلوا في إثره علموا أم لم يعلموا، لتلاقي سيّدها وتحرّر معه المعتقلين: معتقلي جحيم الفقر والاستغلال والعزلة والأسر. المسيح هو هناك، أي هنا، مع المرميّين على قارعة الحضارة، هنا في جحيم الأرض تحفظ الكنيسة نفسها كنيسةً، عروسًا للمسيح. وأين يتجلّى الحبّ حبًّا إن لم يكن في الجحيم؟ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |