موقع خريستو المرّ
Arabic | English
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة

المقالة الأسبوعيّة

مات وقام من أجل الحرّية والحبّ والفرح (١ / ٢)

9/3/2019

 

مات وقام من أجل الحرّية والحبّ والفرح (١ / ٢)
 الثلاثاء ٣ أيلول/سبتمبر ٢٠١٩​

من قرأ إنجيل يسوع المسيح ورافق يسوع في الصلاة، وتأمّل في كلماته وأفعاله، يعجب حتّى الصدمة من أن تدلي/يدلي مسيحيّ(ة)، وخاصّة إن كان مسؤولا كنسيًّا، برأي يرى فيه أنّ الله يمكن أن يكسر حرّية الإنسان أو يتفّهها، أو يهمّشها، ولو لمرّة.
​
الإله الذي بشّر به يسوع المسيح إله يحترم الحرّية البشريّة لدرجة أنّه ترك الإنسان يقتله على الصليب. الإله الذي بشّر به يسوع المسيح يستجدي محبّة الإنسان (على حدّ تعبير المعلّم أوريجانّس والقدّيس مكسيموس المعترف) لأنّ محبّة الإنسان لله مرتبطة بحرّية إرادته، والله لا يكسر هذه الحرّية، بل ربط نفسه بها كمحبّ ينتظر أن يبادله المحبوب حبًّا بحبّ.

لكن لماذا الحرّية؟ وهل من الضروريّ أن نكون أحرارًا؟ أليس الأفضل أن نهتمّ بأن نكون قدّيسين مثلا عوض أن نهتمّ بأن نكون أحرارًا؟ (سنبيّن في النهاية أنّ هذا التساؤل الأخير ينمّ عن عدم وعي لمعنى القداسة)؟
لقد كشف يسوع بتعليمه وتصرّفاته، وخاصّة بموته على الصليب أنّ هويّة الله هي المحبّة، فأعلن الرسول يوحنّا ذلك لاحقا بقوله: "الله محبّة". لكن ما المحبّة؟ ما يمكننا أن نعرفه من الخبرة الإنسانيّة هو أنّ المحبّة بين الناس تمتاز بوحدة مع الآخر مع احترام التمايز معه؛ وهو ما نعرفه بالإيمان عن الله المحبّة: فالله الواحد ثالوث، يمتاز بوحدة كاملة بين ثلاثة أقانيم متمايزة بشكل كامل. المحبّة هي وحدة في التمايز.

لكن المحبّة لا يمكنها أن تكون دون حرّية، الله هو الحرّية المطلقة والمحبّة المطلقة، والله خلق الإنسان "على صورته" و"نفخ فيه نسمة حياة". ورأى بعض القدّيسين أنّ الصورة الإلهيّة في الإنسان هي الحرّية، أو القدرة على الخلق، أو الفكر، وربّما هي أيضًا تلك كلّها مع القدرة على المحبّة، أو كلّ هذه معًا.

الله هو المحبّة، أن نكون مع الله في ملكوته هو أن نكون نحبّ فنكون في وحدة حال معه (إن صحّ التعبير). الإنسان يدخل "الملكوت" إن هو أحبّ بنعمة الروح، أي صار في وحدة مع الله تحترم التمايز المطلق بينهما (بين الخالق والمخلوق) وفي وحدة مع غيره من الناس تحترم تمايز فراداتهم الإنسانيّة. لكنّ شرط عيش المحبّة عند الإنسان هو ان يكون حرّ الإرادة، فإمكانيّة رفض الوحدة في التمايز مع الآخر هي التي تعطي لقبولها معنى.
ولكن ما الذي يحدث إن رفضت الإرادة الإنسانيّة أن تخوض غمار المحبّة؟ إنّ حرّية إنسانيّة تقول لا للمحبّة، هي حرّية أخلّت بأحد شرطي المحبّة: الوحد أو التمايز. فإن أخلّت الحرّية بشرط الوحدة مع الآخرين رفضتهم وانطوت على ذاتها ودمّرتها، وإن أخلّت بشرط التمايز عن الآخرين تدهورت علاقاتها مع الآخرين إمّا إلى تسلّط أو خضوع (في الحالتين هناك ضرب للتمايز)؛ وفي كلّ هذه الحالات يختبر الإنسان العزلة الوجوديّة والضمور الإنسانيّين. هكذا فإن رفضت الإرادة الإنسانيّة المحبّة ضمر الإنسان ولم ينمو في الفرح إلى ملء امكانيّاته، وبقي أسير ذاته، وأسير أوهام التسلّط أو بالخضوع (وهم الوحدة، وهم القوّة...)، والوهم الأساس وهم الوجود من الذات وللذات، أي ما ندعوه في اللاهوت الخطيئة الأصليّة.

هكذا فإن كان شرط المحبّة هو الحرّية فشرط الحرّية الحقّة، الحرّية من أوهام الخطيئة الأصليّة، هو المحبّة.
ومن هنا فإنّ التساؤل الذي طرحناه في البداية " أليس الأفضل أن نهتمّ بأن نكون قدّيسين مثلا عوض أن نهتمّ بأن نكون أحرارًا؟ " لا معنى له، إذ لن نحقّق قداسة إلاّ بالمحبّة، ولن نحقّق محبّة إلاّ بالحرّية لأنّها شرط التجاوب الحرّ مع نعمة الروح القدس. إنّ جناحي المحبّة هما الحرّية والروح القدس.

 لا يمكن لمؤمن مسيحيّ، مهما كان علمه أو مهمّته في الكنيسة، أن يمسّ بالحرّية الإنسانيّة ويبخّسها أو يتهجّم عليها أو يُتَفِّهُها ويكون في الوقت نفسه، في ذلك الموقف، منسجمًا مع يسوع المسيح، ومخلصًا لرسالته، ومُعَبِّرًا عن لبّ العلاقة مع الله والآخر الإنسان. الحرّية الكبرى - والتعبير لأوغسطينوس - هي تَحَرُّرُ حرّية الإرادة في بيئة المحبّة، وتحقيق المحبّة يتمّ في بيئة تحترم حرّية الإرادة. 

ومن هذه الزاوية، يمكن تحليل ايّ موقف لأيّة سلطة ومشروع وموقف وفكر في الكنيسة وفي المنزل وفي التربية وفي المجتمع وفي البنى السياسيّة والاقتصاديّة: فإمّا هي تساهم في نموّ الحرّية والمحبّة وبالتالي متوافقة مع المسيح، وإمّا هي تعرقلهما وبالتالي هي ضدّ المسيح.

يسوع مات وقام من أجل "أن تكون لنا الحياة وتكون أوفر"، من أجل أن تكون لنا الحرّيّة والمحبّة وتكونا أوفر، لا أقلّ.
 
خريستو المرّ
(يتبع الأسبوع القادم)


Comments are closed.

    الكاتب

    خريستو المر

    الأرشيف

    December 2023
    November 2023
    October 2023
    September 2023
    August 2023
    July 2023
    June 2023
    May 2023
    April 2023
    March 2023
    February 2023
    January 2023
    December 2022
    November 2022
    October 2022
    September 2022
    August 2022
    July 2022
    June 2022
    May 2022
    April 2022
    March 2022
    February 2022
    January 2022
    December 2021
    November 2021
    October 2021
    September 2021
    August 2021
    July 2021
    June 2021
    May 2021
    April 2021
    March 2021
    February 2021
    January 2021
    December 2020
    November 2020
    October 2020
    September 2020
    August 2020
    July 2020
    June 2020
    May 2020
    April 2020
    March 2020
    February 2020
    January 2020
    December 2019
    November 2019
    October 2019
    September 2019
    August 2019
    July 2019
    June 2019

    Categories

    All

    RSS Feed

 ليس من حبّ أعظم من هذا : أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه: يسوع المسيح
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة