خريستو المرّ
الثلاثاء ١٣ تمّوز/يوليو ٢٠٢١ الظلم العميم يلقي بالظلمة على بلادنا، على الناس. الظلم يسحق أكان الظالم عربيّا أم لم يكن، لا قوميّة في الظلم، وإن كان ظُلم الاحتلال أشنع وأشدّ تنكيلًا لأنّه يريد أن ينفي شعبًا كاملًا عن الوجود، فلا يجعل ذلك من الظلم الداخليّ عدلًا، وقد هجّر حكّامٌ ملايين من مواطنيهم، وسحق آخرون الملايين بالإفقار والاستغلال. في كندا، من كان مرهف القلب يسمع في المساء أنين أولادٍ تحت التراب، ويرى سيلًا من الدماء يختفي تحت الحدائق الجميلة. كم تشبه كندا فلسطين. أمام الظلم الصارخ ماذا يفعل الإنسان؟ قد لا يستطيع سوى البكاء، والبكاء أفضل من الهدوء المنافق الذي يشي بعدم الإحساس؛ وقد لا يستطيع سوى الدعاء المجبول بالتعاطف، والدعاءُ توقٌ إلى العدالة لم يتحقّق وأكثرُ انسانيّةً من عدم الاكتراث. إنّ الشهادة ضدّ الظلم بالدموع والصلاة معموديّةٌ للقلوبٍ يطهّرها من ظلامٍ قد مسّها. الظلم يودّ أن يعمَّ الظلام على القلوب حتّى يموت الحبّ. لا يمرمر الظالم إلّا الحبّ الذي يشهد بوجوده بأنّ عالمًا آخر ممكنٌ. الظالمون يأتون من رغبة بالتألّه تتوهّم الألوهة إلغاءً للوجوه فتتوسّل القتل وسحق كلمة "لا"؛ ولهذا يبقى الظالمون في الخوف الكبير من بساطة الحبّ لأنّه يزيد الوجوه لمعانًا، ولأنّه لا يُمسَك ولا يُكَمّ، وحين يهبُّ لا يُعرَفُ موضعه. ولهذا يطلب الظالمون نفوس الفنّانين أوّلا لأنّهم يحطّمون الرتابة ويبعثرون الامتثال المميت. ولهذا أيضًا يشدّد الظالمون على الطاعة ويكرهون المحبّة إلّا إذا خانت نفسها فصارت تشبه الخنوع. ويتوّهم الظالمون أنّهم إذا ظلموا صاروا آلهة، وهم في الحقيقة يتعمّقون في الموت، فكلّ متحكّم عبدُ أوهامه ولهذا مَن يظلم فقد اعتدى "ومن يفعل ذلك ظلم نفسه" (البقرة ٢٣١) إذ يكون الظالمون قد بنوا نفوسهم أصنامًا يدعونها من دون الله وبهذا "ظلموا أنفسهم" (هود ١٠١) لأنّ قلوبهم تحجّرت فماتوا وهم أحياء. لهذا أضعف الإيمان أن يقاتل المظلومون الظالمون بالمزيد من الحبّ بينهم، بالمزيد من التعاطف والتعاضد اللذان يضيئان كي تُقهَرُ الظلمة التي تُحاصِر المظلومين، وهي الظلمة نفسها التي حاصرت يسوع المرفوع على خشبة خارج أورشليم فقهرها الحبّ. لكنّ الإيمان الصَلْبَ يقتضي أن يرفض المظلومون الظلم ويسعوا لرفعه عنهم. هناك أنصاف حقائق قاتلة؛ فإن طلب المؤمنون "المدينة الآتية" فلا يعني ذلك أنّهم لا يحبّون مدينة اليوم، بل يعني أنّهم ينظرون أن تكون مدينة اليوم كالآتية، فلا تتعلّق قلوبهم بالأرض ولا يساومون على الحقّ. فإن تاق المؤمنون إلى العدل والفرح في اليوم الأخير، فهذا لا يعني أنّهم لا يتوقون إلى تحقيق العدل والفرح الآن وهنا ليتذوّق أبناء وبنات الله الملكوت الآتي مُسبقًا. إنّ الذين يتوقون إلى الحقّ يناضلون، فالحبّ ليس عاطفة تحتضن الآخر فقط هي رغبة بالحياة تناضل كي تكون الحياة وتكون أوفر. الإيمان المُحِبّ حقًّا يدفع المؤمنين كي يبحثوا عن وسائل النضال مع غيرهم حتّى يفرح الناس إذا تحقّق العدل والحقّ. والعدل والحقّ صورة عن ذاك الذي هو العدل والحقّ، ولهذا من يعشقونه يعشقونهما وقد يؤدّون في سبيل المعشوق ركعتان في العشق قد "لا يسوغ فيهما الوضوء الا بالدم" كما هتف الحلّاج يوم مات شهيدًا. لا فرق ان يموت الإنسان حُبًّا بحبيبٍ إلهيّ وآخر بشريّ ففي الحالتين يموت من أجل الحبّ الواحد الذي هو الحاجة كلّها. الفلسطينيّون يقولون ذلك يوميًّا بأجسادهم المُشَظّاة، بالنسك المرسوم في أيقونات وجوههم في السجون، وبالقبضات العارية، وينظّمون أنفسهم ما أمكنوا. منهم لسكّان منطقتنا أن يتعلّموا. هل ننظّم أنفسنا لنطيح بالظُلّام؟ هذا رجاء القلوب التي تحترق. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |