خريستو المرّ
الثلاثاء ٢٨ آب / أغسطس ٢٠٢٢ على محبّة الأرثوذكس في الكنيسة الأنطاكية لكنيستهم وتراثها، يعيش الكثيرون منهم حالة من النقمة على رجال الدين فيها. بالطبع، هناك المتطرّفون الذين يهرطقون كّل مَن لا يقول رأيهم في الكنيسة، ولكنّ الأغلبية المسالمة التي لا تريد سوى ان تحيا بكرامة في هذه الحياة وأن تساهم في صناعة مصيرها، على الأقلّ في الكنيسة طالما ممنوع عليها أن تساهم بصناعتها في الحياة العامّة بحكم الديكتاتوريّات والحالة الحربيّة التي تجتاح المنطقة، هؤلاء المسالمون لهم نقمتهم المحقّة على معظم -وليس كلّ- رجال الدين الممسكين في زمام السلطة، وعندما نقول ذلك نحيّد تلقائيّا الأغلبيّة الساحقة للكهنة الذين يعانون عادة كبقيّة أعضاء الكنيسة من غير الإكليروس من أحوال البلاد والمصاعب. المؤمنات والمؤمنون، وبحكم وسائل التواصل الاجتماعيّ، باتوا يعرفون أكثر من قبل التضارب الكبير بين الكلام والعمل في الممارسة الكنسيّة. ما يزعج الكثيرين هو أنّهم يلاحظون أنّ الرتب الكنسيّة باتت مدخلًا للمال والتسلّط، حيث يلاحظون البذخ عندَ معظم مَنْ نذروا الفقر في حياتهم، والتسلّطَ عند معظم مَن نذروا الطاعة. ما يزعجهم هو النفاق والتضارب بين الأقوال والافعال، اللذان أدّيا إلى غربة بين هذا النوع من رجال الدين وبين الناس. إنّ الأذى الأكثر انتشارا هو التسلّط وجمع المال (والمال في النهاية أداة سلطة). فبحكم موقعه، يستطيع المطران أو الأسقف أو البطريرك من أن يضع يده على الكثير من الأموال ويتصرّف بها بشكل مطلق. بالطبع، عادة ما يجمع حوله بضعة «المبخّرين» ويعتبرهم لجنة استشاريّة ليقول أنّه لا يفعل شيئا دون «شورى». ولكنّ هذا لا يخدع أيّ عاقل، فالشورى الحقيقيّة في الكنيسة تقتضي أن يكون للناس كلمة في إدارة شؤون رعيّتهم المباشرة في مدينة محدّدة، ثمّ في إدارة أبرشيّتهم، وبطريركيّتهم، ولا يمكن فعل ذلك إلّا من خلال مؤسّسات تمثيليّة. وقد يأتيك مَن يقول أنّ الكنيسة ليست جسمًا ديموقراطيًّا وإنّما تتّبع الحقّ، والحقّ لا علاقة له بالعدد. ورأيي أنّ هذا صحيح في الكنيسة وخارجها، ولكن حين نقول مشاركة في صناعة المصير في الكنيسة فليس المقصود الحقّ والباطل في شؤون العقيدة أو في قضايا تأوينها (أي ترجمة العقيدة في «الآن»)، وإنّما المقصود إدارة شؤون الحياة الكنيسّة، إبداء الرأي الفاعل في قضايا ملموسة والتي تتلخّص بوضع شؤون الناس وشجونه موقع المركز في الكنيسة وليس موقع الهامش: الهجرة، الفقر، الحرّية، تحديث المحاكم الروحيّة، إلخ. هناك قضايا متعدّدة تشكّل تحدّيًا يوميّا، والمسؤولون في الكنيسة الذين بيدهم إدارة مؤسّساتها بشكل مطلق يقفون منها موقف اللامبالاة، فالكنيسة مثلا تملك أوقافًا ضخمة، الأرجح لا حصر لها، فكيف يمكن لها أن تمتلكها بينما الناس تكاد تهلك في ظلّ ضائقة اقتصاديّة، في سوريّا أوّلا ثمّ لبنان، تسحق الناس منذ سنوات؟ قامت البطريركيّة منذ عدد من السنوات بـمؤتمر جمع المطارنة حول العالم، وممثّلين عن جمعيّات أرثوذكسيّة، وحركات شباب، وكما كان متوقّعا لم تكن النتيجة أكثر من «مهرجان» لا طائل ولا نفع منه يُذكر، كلّف ملايين الدولارات. بقيت نتائج المهرجان حبرا على ورق، واستمرّ شبه انعدام في التنسيق بين الأبرشيّات، واستمرّ التفرّد التام في استخدام المال والمؤسّسات، والخضوع لمن «فوق» المترافق مع التسلّط على الأضعف، وتهميش المرأة، والانحياز ضدّها في المحاكم الروحيّة، وحماية المتحرّشين، واجترار الكلام. باختصار، بقي غياب التعاطف والاحساس بالآخر ومعاناته، والتركيز على المكاسب الشخصيّة. وإذا بالناس اليوم يتجذّر فيها الشعور بغربة عن المؤسّسات الرسميّة في الكنيسة، ولولا محبّتهم ليسوع نفسه، وعناية الروح القدس بهم، لتركوا الكنيسة منذ زمن بعيد. وحده الإيمان بربّ الكنيسة يحملك إلى المتابعة في مؤسّسة يحكم معظم (وليس كلّ) قادتها النفاق واللهاث وراء المال والسلطة. المهمّ أن يعمل العاملون معًا وليس فقط فرادى، لينشروا ما أمكن من دفءِ مشاركةٍ إنسانيّةٍ وحرّيةٍ وفرح، فيتابعوا بذلك تجسيد حبّ يسوع للعالم، فيكونون نساءً ورجال على حسب قلبه، يقودون كنيسته «من تحت»، من الجحيم الذي تجتازه، حيث يوجد يسوع مع المشتعلين ألـمًا وحبًّا. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |