الثلاثاء ١٧ آذار/مارس ٢٠٢٠
هناك شقّان مترابطان في اللغط الحالي حول إمكانيّة انتشار فيروس كورونا: المناولة، وقدرة يسوع على شفاء النفس والجسد. إنّ الإيمان المسيحيّ قائم على شخص يسوع المسيح والإيمان به إنسانًا كاملا وإلهًا كاملا، دون اختلاط ولا تحوّل ولا انقسام ولا انفصال. وكما أنّ الألوهة في يسوع لم تبتلع إنسانيّته ولم تغيّبها، كذلك فإنّ التحوّل الحقيقيّ للخبز والخمر إلى جسد ودم السيّد لا يلغي كونهما خبزا وخمرا من مادة هذا العالم، ويسري عليهما ما يسري من قوانينه. فَحْوى السرّ أنّه لغزٌ يجمع الأضّداد، رمز يعبّر عن حقيقة تتجاوزه. لو أنّ الخبز والخمر إلهيّان فقط لما كان من «لغز» في الموضوع، اللغز هو أنّ المادة المخلوقة بات طريقا للوحدة مع الإله غير المخلوق. رؤية الشقّ الإلهيّ فقط تنسينا عقيدة طبيعتي المسيح. إنّ الخبز والخمر يبقيان خبزا وخمرا في الكنيسة ولو أنّها يتحوّلان إلى جسد ودم الربّ أي وسيلةً لنصير واحدا مع يسوع، وبالتالي هما يبقيان قادرين على نقل الأمراض. يكتب القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ عن اشتياقه إلى "خبز الله الذي هو جسد المسيح"، وتعكس عبارته إيمانه بالطبيعة المزدوجة للمناولة (خبز، وجسد المسيح). ثمّ، ينبغي ألاّ يغيب عنّا الهدف الأخير من المناولة: أن نصبح ابناء وبنات الله بالتبنّي فنعمل معه على تحويل هذا العالم إلى مكان مشاركة، وهذا هو «سرّ الأخ» الذي تكلّم عنه الذهبي الفم. الذهن السحرّي يقطع الأسرار عن حقيقة التجسّد، عن هذا العالم، يحوّل السرّ إلى سحر نقبض فيه على الألوهة، ويُلهي المؤمنين عن ضرورة تجسيد إيمانهم بإعمال عقولهم وقلوبهم في تحدّيات الواقع. أمّا ذهن الإيمان الأصيل فيرشدنا كي نُبقي الأسرار الكنسيّة لغزًا يجمع الطبيعة المخلوقة بالطبيعة غير المخلوقة دون اختلاط ولا تحوّل ولا انقسام ولا انفصال، لغزا يُطلق البشر في مسيرة تحقيق عالم المحبّة المشارِكة. *** غير الأسرار هناك العجائب. ما هي العجائب في الكتاب المقدّس؟ ما هدفها؟ عجائب يسوع بحسب الكتاب المقدّس (وليس بحسب التربية الشعبيّة) هي أعمال قام بها يسوع تخطّى بها نواميس العالم تحنّنًا على أوضاع وجدها حوله. لم يطلب يسوع العجائب كي يبهر الناس، وطالما طلب ممّن صنع معهم عجائب ألاّ يخبروا أحدا لأنّه خشي أن يطلب الناس العجائب لأجل العجائب، أي أن يقف الناس عند العجائب دون أن يروا من هو خلفها: الله المتحنّن المحبّ للبشر. العجائب، إذًا، «كلمات» قالها يسوع بتصرّفاته، إشارات إلى ما يتجاوزها، وعلينا أن «نقرأها» كتعبير من يسوع عن محبّة الله، تعبير عن ملكوت الله، عن الحياة التي تنتظرنا مع الله، عندما تكتمل في اليوم الأخير الساعةُ التي بدأت الآن. العجائب إذا إطلالة حبّ من الله ولكنّها أيضًا دعوة، دعوة إلى السير نحو ملكوت الله، أي دعوة إلى العمل مع الله لكي تكتمل هذه الخليقة التي "تئنّ وتتوجّع". وكيف تكتمل؟ بالمحبّة الإلهيّة التي تعبّر عن نفسها بواسطة محبّة الناس ومشاركتهم لبعضهم البعض هنا والآن. إذن، العجائب دعوة للناس كي يمشوا مع الله مشوار المحبّة... الصعب. الذهن السحرّي تسطيح للأعاجيب، تحويل للأعجوبة إلى فخّ للاستيلاء على الله، ومحاولة سحريّة لاعقلانيّة للسيطرة على قوى الطبيعة. أمّا ذهن الإيمان فيدلّنا أنّ العجائب إطلالات حبّ إلهيّ، نادرة، تبشّر بالفرح الكامل، وتدعونا لنُفعِّل الطاقات التي وضعها الله فينا – ومنها العقل - لينمو الملكوت في هذا العالم، من خلال تغيير بُناه لتصبح بُنى محبّة ومشاركة. *** الأعاجيب والأسرار الكنسيّة، إن فهمناها في العمق، لا تعفينا من العقل والحكمة، بل هي تتطلّبهما. خريستو المرّ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |