موقع خريستو المرّ
Arabic | English
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة

المقالة الأسبوعيّة

المقدّس الفاشيّ والمقدّس الحامي للحياة

12/3/2019

 

​المقدّس الفاشيّ والمقدّس الحامي للحياة
الثلاثاء ١٠ كانون أوّل/ديسمبر 2019

متعبٌ الإيمان، يظنّ البعض أنّ الإيمان أمر سهل أو أنّه يسهّل على الإنسان حياته، ويعطيه طمأنينة، لا في بلادنا ولا أيّة بلاد أخرى. من هو مقتنع حقّا أنّ علاقته بالله هي من خلال تطبيق مجموعة من الطقوس حصراً، فهذا قد يشعر بطمأنينة لأنّه يمكنه أن يحسب لو شاء كم مرّة صلّى وطبّق الطقوس، وكم يوما صام، إلى آخر طقس من الطقوس... لكن أن يعتقد الإنسان أنّ إيمانه هو علاقة مع الخالق ومع الناس، وأنّ الطقوس هي طريقة تعبير عن طريقة حياة، وأنّ لبّ الإيمان ليس الطقوس وإنّما طريقة الحياة بالذات، فهذا إنسان لا يهدأ له بال.
 
كيف لا يتألّم إنسان مؤمن ويقلق وهو يرى جماعات من المسيحيين ينقادون مستعبدين أنفسهم لزعيم، وتُشحذ هممهم بحيث يغدون مستعدّين لكلّ أنواع العنف؟ كلّ ذلك وهم يسمّون أنفسهم على اسم ذاك الذي حرّر أتباعه كي لا يصيروا عبيدا للناس. كيف لا يتألّم ويقلق إنسانٌ وهو قد سمع في الأمس القريب أحد قيادات حزب يجمع مسيحيين ويتكلّم باسمهم، بأنّ زعيمهم السابق (المجرم بحكم قوانين بلاد الغرب التي ينبطح معظم اللبنانيين أمامها) هو "قدّيس غصب عن الله تبع الله"؟ كيف لا يتألّم ويقلق عندما يصرخ أتباعٌ لحزب منافس بأنّ زعيمهم المسؤول مباشرة على الأقلّ عن حربين فيهما من العبث والتدمير والقتل ما فيهما، هو "ابن الله"، ومتربّع على يمين القدرة الإلهيّة، وأنّ صهر الزعيم (الـمُنتخب على رأس الحزب بالتعيين الحرّ) على يساره؟
 
المسلمون لم يبلغوا الحجم نفسه من الإسفاف، لكنّ الصورة ليس أكثر إشراقا، تقديس الزعيم الطائفيّ والحزبيّ (سنّيا وشيعيّا ودرزيّا) كان متفشيّا حتّى الأمس القريب؛ حيث كان «الزعيم» وأتباعه ناهبين أم قاتلين لا يُمسّون حتّى بالكلام. وكيف لا يتألّم مؤمن وحال الكثير من المسلمين كانت كذلك؟ طوبى للملحدين واللاأدريّين، كانوا خارج حفل الهذيان الدينيّ الجماعيّ هذا.
 
شكرا للناس، للمشاركات والمشاركين في الانتفاضة الشعبية، اللواتي والذين بانتفاضتهم حرّروا عند الكثيرين من المسيحيّين والمسلمين القدرةَ على الرؤية والنقد، وبقي لكلّ حزب أصحاب القناعة المطلقة شبه الدينيّة بالزعيم، والمستفيدين من المغانم الكبرى، وأولئك القلقين من الضياع، وأولئك المساكين المعتاشين على الفتات الذين يحارب الزعيمُ بحياتهم ويقامر بأولادهم كي يبقى. من ينتفض فليتابع الانتفاضة لأنها تنقذه وقد تنقذ غيره من مغبّات النظام السياسيّ الذي يشوّه الإيمان ويقدّس المدنّس ويدنّس المقدّس، ويفقّر ويقتل ويدمّر أفرادا وعائلات وثقافة ومستقبل ومجتمع. لا أمل لنا إلاّ في المواجهة.
 
عوض أن توضع القداسة في أفراد، سياسيين أو رجال دين، يجب أن تبقى في الله، وأن يُعتَبَر بعد الله كلّ إنسان (وليس الزعيم السياسي أو الدينيّ) هو رمز لهذا المقدّس الإله. فبحكم إيمان المسيحيين والمسلمين الخلق كلّهم "عيال الله"، أبناؤه وبناته، وبالتالي مَن يراهُم يراهُ. هذا يعني أنّ أقرب الناس إلى الله ليس من مارس الطقوس أكثر بل مَن كان لعياله أنفع (كما يقول حديث شريف). هذه رؤية تجعل المقدّس مجالاً لحماية الحياة، وبنيانها.
 
في الحياة العامّة لا يهمّنا من يمارس طقوسه ومن لا يمارس، وإنّما ما يهمّنا هو من ينفع عيال الله، أي الناس. هؤلاء الذين في الحكم نهبوا المجتمع وشرذموه طوائف، ودمّروا مقدّراته، هم لا يصلحون لخدمة عياله. الانتفاضة الشعبيّة واجب إنسانيّ منسجم مع الإيمان. بالنسبة للمؤمنة والمؤمن المقدّس المنظور هو الإنسان، وحدها خدمة الإنسان توضح من هو قريب ومن هو بعيد من الله، وبالنسبة لشعب، أي لمواطنين ومواطنات يريدون أن يحيوا كرماء في دولةٍ، في حياة جماعيّةٍ وطنيّةٍ عامّة، لا يهمّ أمرٌ آخر إلاّ المقدّس المنظور وكيفيّة خدمته؛ ويبقى لكلّ جماعة ومجموعة أن تعبد المقدّس غير المنظور، بطقوسها وعاداتها، في حياتها الجماعيّة الخاصّة.
 
كل حزب يقدس «الزعيم» ينتهي فاشيًّا بالضرورة، مدمّرا بالضرورة، وكلّ نظام لا يقدّس الإنسان (كالنظام الليبرالي الوحشيّ الذي يقدّس المال؛ أكان في لبنان أم الولايات المتّحدة)، ينتهي مستغلاًّ بالضرورة، مدمّرًا بالضرورة.
 
 
خريستو المرّ

Comments are closed.

    الكاتب

    خريستو المر

    الأرشيف

    December 2023
    November 2023
    October 2023
    September 2023
    August 2023
    July 2023
    June 2023
    May 2023
    April 2023
    March 2023
    February 2023
    January 2023
    December 2022
    November 2022
    October 2022
    September 2022
    August 2022
    July 2022
    June 2022
    May 2022
    April 2022
    March 2022
    February 2022
    January 2022
    December 2021
    November 2021
    October 2021
    September 2021
    August 2021
    July 2021
    June 2021
    May 2021
    April 2021
    March 2021
    February 2021
    January 2021
    December 2020
    November 2020
    October 2020
    September 2020
    August 2020
    July 2020
    June 2020
    May 2020
    April 2020
    March 2020
    February 2020
    January 2020
    December 2019
    November 2019
    October 2019
    September 2019
    August 2019
    July 2019
    June 2019

    Categories

    All

    RSS Feed

 ليس من حبّ أعظم من هذا : أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه: يسوع المسيح
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة