خريستو المرّ
الثلاثاء ٣١ آب / أغسطس ٢٠٢١ هناك تشديد كبير في المسيحيّة على المشاركة. الفكرة الأساس هي أنّ كلّ شيء لله ولذلك لا أحد يملك شيئا له، هي خيرات موجودة على الأرض وللإنسان أن يشارك ما كان بين يديه من خيرات مع الآخرين. هذه الدعوة للشركة الأخويّة بين البشر ضروريّة وثوريّة. القدّيس الذهبيّ الفم، فهم تماما الوحدة الكيانيّة التي أقامها يسوع بينه وبينه المستضعفين، ولهذا كان في عظاته يوبّخ الأغنياء قائلا قائلاً «إنّكم تحترمون هذا المذبح حينما ينزل عليه جسم المسيح [القربان والخمر في المناولة]، ولكنّكم تهملون وتبقون غير مبالين حينما يفنى ذاك الذي هو جسم المسيح» أي الفقراء. على أهمّية هذا الطرح وضرورته، لا يوجد أكثر من الوضع اللبنانيّ إظهارًا لمحدوديّته، إذ أنّ المنتسبين إلى الأديان (بحكم القانون وليس القناعة)، بينهم المنافقون، هؤلاء لن يطبقّوا شيئا من تعاليم إيمانهم إلّا القشور. ولكن حتّى لو قام اليوم غير المنافقين في جميع الأديان بمشاركة أموالهم لما كفى ذلك بلدًا بات ٥٠٪ من سكّانه بأقلّ تقدير (أي حوالي ٣ ملايين إنسان) تحت في خطّ الفقر، والباقون - ما خلا طبقة الـ١٪ المستغِلّة - بالكاد يكفون أنفسهم. الآن أكثر من أيّ وقت مضى، يمكن لمن يأخذون إيمانهم على محمل الجدّ أن يدركوا أنّ إيمانهم يمكنه أن يلهمهم على الخير، ولكنّه لا يمكنه أن يقدّم لهم حلوًلا جاهزة. الحلول عليهم أن يقوموا بها هم معتمدين على ما وفّره لهم الجهد الفكريّ الإنسانيّ حتّى الساعة، متعاونيــــــــــــــن مع غيرهم ومتعلّمين منهم. الدولة مجموعة أدوات لفرض نظام من الحياة، هي ليست فكرًا. هي تفرض فكرًا وتوجّهًا. الدولة أداة المجتمع لتنظيم نفسه. الأداة لا تحمل فكرًا. هي وسيلة. النفحة المسيحيّة التي تكلّمنا عنها فوق يمكن ترجمتها بفكر، بالعدالة الاقتصاديّة في المجتمع، مثلًا. العدالة الاقتصاديّة يمكنها أن تكون هدفًا لدولة، والعدالة الاقتصاديّة ليست هدفا اقتصاديّا إنّها هدف أخلاقيّ وروحيّ بالدرجة الأولى، هي أن يقول الإنسان لنفسه، وأن تقول مجموعة من الناس لبعضها، إنّ المشاركة بين الناس في خيرات هذا العالم أمرٌ ضروريّ رفيع الشأن أخلاقيّا. المؤمنون الحقيقيّون (لأنّ الكثيرون كَذَبَة) يعلمون أنّ العدالة الاجتماعيّة ذلك تترجم الحياة الإيمانيّة على الصعيد الجماعيّ. فكما أنّ الأنانية، مثلاً، خطيئة فرديّة (إلى حدّ) ومن الضروريّ مواجهتها على الصعيد الذاتيّ (إلى حدّ)، فإنّ انعدام العدالة، هو استغلال مجرمين مجموعة من السكّان وتعريض حياتهم للخطر، وهو ليس فقط خطيئة المجرمين الفرديّة، وإنّما خطيئة المجتمع الجماعيّة، خطيئة سماح المجتمع لمجموعة من المجرمين بطعن الكرامة البشريّة للسكّان المُستَغَلّين (بفتح الغاء). هناك خطيئة جماعيّة كتلك الفرديّة يجب أن نراها. إنّ قصور التربية المسيحيّة التقليديّة ومكمن فشلها في زمننا، هو تجاهلها ما سمّيتُه هنا بالخطيئة الجماعيّة، هـي تجاهلها تربية المؤمنين على وجود بُنى ظالمة وليس فقط ظلم فرديّ، وعلى ضرورة مواجهة البُنى جماعيًّا كما مواجهة الظلم الفرديّ. إنّ انعدام الحسّ بالمسؤوليّة الجماعيّة عن استتباب بُنى العدالة خطيئة الكنيسة، ولا يعفيها من خطيئة عدم توزيع ثرواتها. قد لا يخرج الطائفيّون المسيحيّون من جهلهم وقساوة قلوبهم، قد لا يخرجون من إعلاء شأن السفلة والخضوع لهم والدفاع عنهم بكلّ غباء ومشاركةٍ في الإجرام؛ لكن الأمل في تلك «البقية الباقية» التي قيل لها "إذا سمعتم صوته اليوم فلا تقسّوا قلوبكم"، سماع صوت الروح اليوم هو أن نفهم أنّ الالتزام في العمل العام مع اللاطائفيّين المؤمنين بضرورة إحقاق العدالة الاقتصاديّة هو ضرورة إيمانيّة، وأنّ المساهمة بإيجاد مظلّة لهكذا عمل يشكّل استجابة لصوت الروح. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |