خريستو المرّ
الثلاثاء ١٠ آب / أغسطس ٢٠٢١ الطائفيّون يختزلون العالم حولهم بصورة خياليّة تقسمه إلى جماعات لها صفة دينيّة لا تحول ولا تزول عبر التاريخ، ويختزلون فرادة كلّ إنسان في كلّ جماعة بصورة نمطيّة عن تلك الجماعة، بحيث أنّه في نهاية الأمر لا يعود الطائفيّون يتعاملون سوى مع صور دماغيّة لديهم عن الآخرين وليس مع الآخرين كبشر حقيقيّين. ماذا يعني بالضبط الإنسان «الشيعي» و«السنّي» و«الدرزي» و«المارونيّ» «والأرثوذكسيّ»، إلى ما هنالك من تنويعات؟ لا شيء. ماذا تقول كلمة «المسيحيّ» عنّي أنا، لا شيء. الإنسان يموت في الذهن الطائفيّ لتحلّ مكانه صورة وهميّة عنه. بعد الاختزال تصبح المجازر ممكنة عند تشويه تلك الصورة الاختزاليّة في الذهن بواسطة أدوات «البخّ» الإعلاميّ الذي يتقنه جميع المتقاتلين في كلّ حرب، ويمكن العودة إلى «أدبيات» خطابات القادة (إقرأ المجرمون) في الحربين اللبنانية والسورية للوقوف على أمثلة جاهزة حول شيطنة جماعات بأكملها بأفكار اختزاليّة. الاختزال هو ضدّ الواقع والعلوم بأسرها، وهو عندنا طائفيّ وقد يكون قوميّا أو لغويّا أو يقع تحت راية مطلق أيّ شعار اختزاليّ. اقتصاديّا، الطائفيّة هي وسيلة تسعى فيها الجماعات إلى الاستيلاء على الثروة على حساب الجماعات الأخرى وحياتها، وهي بذلك استغلاليّة وناهبة. والواقع اللبنانيّ بيّن كيف أنّ الواقع أنّ تركّز الثروات داخل الجماعة الطائفيّة يتمّ في القمّة بحيث أنّ الواقع يدلّ أنّ الثروات التي تُنهب باسم جماعة طائفيّة لا تتركّز سوى في القيادات. سياسيّا الطائفيّة وسيلة إضعاف للدولة ووجودها هزيمة لحقوق الناس وللمواطَنة. لكنّ الطائفيّون يستعملون اللغة الدينيّة واسم الله للوصول إلى أهدافهم السياسيّة والاقتصاديّة، ولهذا، فروحيّا، الله نفسه يصبح مُلحقًا بالجماعة ومصالحها عوض أن تلحق به الجماعة، أي يصبح الله وسيلة عوض أن يكون هدفًا، وهنا يكمن الكفر العمليّ بالله لدى الطائفيّين، رغم اجترارهم للآيات، واستخدامهم المكثّف لاسم الله. عندما يصبح مشروع الله في الأرض (مهما عنى ذلك في الذهن) مندمجًا بطائفة ومصالحها فنحن في تيّار استخدام الله لا في تيّار خدمته بخدمة خلقه، وفي تفريغ الإيمان من معانيه، في تجويف المعاني والإبقاء على قشرة الكلمات. روحيًّا، كلّ طائفيّ عابد لوثن الجماعة. لكن رغم الطائفيّة التي نرى آثارها العنيفة والقبيحة القريبة والبعيدة، معظم الناس ليسوا عنيفين ولا قبيحين. معظم الناس مسالمين ويريدون أن يقضوا حياتهم بسلام وهناء، وإن أخذنا طرابلس الحبيبة مثلًا، عندما كانت المعارك العبثيّة بين الفئات الأفقر في المدينة تتراجع، كان عشرات الآلاف يسيرون ضدّ العنف والتقاتل. كلّ ما في الأم أنّه في غياب الدولة، يمكن لمئات من المسلّحين أن يختطفوا مدينة ويرتهنوا عشرات الآلاف. والقباحة التي يتصرّف بها عشرات الأشخاص أو شخص واحد لا يمكن تعميمها على طائفة بأكملها إلّا في الذهن الطائفيّ الذي يختزل الإنسان كما أسلفنا. بالنسبة للأحداث الطائفيّة التي حدثت بين الجنوب والجبل يجب أن تذكّرنا من جديد ليس بالخوف من الآخر، بل بأنّ الزعماء الطائفيّين، ولو هم يوزّعون جزءا يسيرا من مغانمهم، فهم لا يبنون زعاماتهم إلّا على امتهان كرامتنا وعلى جثثنا، ويجلسون على كراسي السلطة والتحكّم فوق بحر من الضحايا، هؤلاء الذين يموتون فورا وأولئك الذين يموتون ببطء، هم يقدّموننا أضاحٍ بشريّة لوثن الطائفة المتخفّي تحت اسم الله. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |