الثلاثاء ١٥ حزيران/يونيو ٢٠٢٠
خريستو المرّ من أحبّوا أن يكونوا ولم يكتفوا بأن يعيشوا وبأن يحتموا بالجماعة من أنفسهم ومن خوفهم من حرّيّتهم، يشعرون دومًا بأنّهم منفيّون عن القبائل. هؤلاء يشبهون الذين "لم يولدوا من لحم ودم ولكن من الله ولدوا" والذين لهذا يشعرون بأنفسهم منفيّين عن "اللحم والدم" أي عن السعي إلى الوجود من الخارج، فهم يسعون إلى التواصل مع نبعٍ لوجودهم داخليٍّ حتّى الأعماق، ويرتابون من الرغبة بالأشياء والجماعات ومن الخوف من فقدانها. أولئك وهؤلاء واحد، فمن سعى إلى التشبّه بالله، سعى إلى الحرّية التي سكنت فيه، ولم يعرف نفسه منتسبًا إلّا إلى الكلمة النازلة من فوق، وأعلاها على نفسه ولم يخف أن يُرمى في فم الأسود: أسود الرومان أو أسود فاشيّة الجماعات. وفي المدى الأقصى يسكنُ هؤلاءِ المنفى، ومنهم مَنْ يهجّ من نفاق المدينة المتكوّمة على أوهامها، ليلاقي الفرح في القفر، هناك حيث يطير به الروح ويدلّه على طريق الذي عُلّق على صليب الغربة خارج أسوار القبيلة، قبل أن يُعَلَّقَ على صليبٍ من خشب خارجَ أسوار المدينة. ومَنْ قال، ومن فعل ما يُعاكس جماعةً بدأت تسير مسار القبيلة، أو سارته، يدفع ضريبة المنفى، لا محالة. فالقبيلة غريبة عن لغة الوجوه، ولا تعرف إلّا التكتّل، ولهذا قد تبدو أنّها تُبغِضُ من دون سبب، لكنّ الحقيقة أنّ القبيلة تبغض الوجوه بفرادتها، فالوجه شرخ لا نهائيّ في مسعى القبيلة إلى أن تكون كتلةً واحدةً بلا وجه، كتلة محيطٍ يُشعرها بأمان المعروف والمتكرّر، وباطمئنانٍ تجاه القبائل "الغريبة". القبيلة تريد الوحدة بالنغمة الواحدة، ولكنّها تجهل الاحتفال بالنوتات النافرات المحلّقات في وحدة حكايةِ السيمفونيّة. والقبيلة تريد تطويق احتمالات الفشل، وتطويق مخاطر الحياة، وتجهل العدميّة القائمة في تطويق الأجنحة بأمان القفص. جسم المسيح المعلّق على الصليب هو أنشودة الذين لا طريق لهم إلّا المنفى الساكن كلمات الحياة؛ والحياة لا تكون في نسيان المصلوبين، ولا في صون المؤسّسات على حساب الوجوه، فهذا شأن كلّ قبليّة صرخت "خير لنا أن يموت إنسان عن الشعب ولا تهلك القبيلة". لكنّ الحياة هي تمامًا في موت القبليّة ليحيا الناس في حرّية الروح؛ لأنّه عندئذٍ، وفقط عندئذ، يمكنهم أن يكونوا واحدًا كما أراد يسوع الوحدة أن تكون: رقصةُ محبّةٍ واحدةٌ لمتعددين، حياةٌ مشتركة تكمن في كشف نغمات الحقّ، الذي وحده ينفخ في أجنحة الناس رياح الحرّيّة، ويؤسّس الجماعات على نمط قلب الله. ويرى الناس في المنفيّين كبرياء، ويرون جنونًا. ولكنّ جنون المنفى، رغم التمزّق، أمانة ليسوع وروحه، ويبقى أفضل من موت القبائل. المنفيّون هم نجاةُ أهل القبائل من قبورهم، ولا يريد المنفيّون لأنفسهم النجاة، ولا يهمّهم سوى أن تُحفَظَ الوجوه في حلاوتها وأن يزول غبار العتمة، وأن ينطلق أولاد الله معًا في حقول الحبّ. والذين ولدوا من فوق يلبسون السماء وتلبسهم، لكنّهم يأكلون كغيرهم، ويشربون كغيرهم، ويلعبون كغيرهم، لا يسكنون أراضيَ خاصّة، ولا يتّفقون على لهجة سوى لهجة الضوء، متجذّرون مع أترابهم ومسافرون كصحراء، معانقون لأوطانهم وغريبون كهامشٍ، ولهذا تكرههم القبائل لأنّها تخشى ألوان الحدائق، فالألوان ريحٌ لا تُمسَك ولا يُعرَفُ موضعها. لكنّ الغرباء مخلصون، وعندهم وجوه المحبّين والأصدقاء تربة لقاء لا ينتهي. ولا يشعر المنفيّون بالعزلة لأنّهم يسيرون في قافلة المحبّين الذين سبقوهم والذين عاصروهم، ويبقى ولاؤهم للريح أنّى شاءت أن تهبّ، وللوجوه في قلب القبائل، حتّى تزول غربة العشّاق في قلب الله، يوم يهلّ الفجر . Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |