خريستو المرّ – الثلاثاء ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٣
نقلت الأخبار محاولات كمّ العقل والنقد التي جرت في الجامعة الأميركيّة في بيروت وفي «الليسيه» مدارس البعثة العلمانيّة الفرنسيّة لمنع التعبير عن الرأي وإعمال العقل والقلب في أحداث تدور على أرضنا في فلسطين. في الجامعة الأميركيّة ناوئ بعض أساتذة طلّابهم وهاجموهم لمواقفهم السياسيّة كما حاول أحدهم استضافة صهيونيّ لنقاش أكاديميّ حول «أخلاقيات الحرب في غزة»! بينما في المدارس الفرنسيّة حاولت الإدارة قمع أيّ تعبير ونقاش حول الهجوم الوحشي الصهيونيّ على المدنيّين في غزّة حتّى من خلال موضوع للكتابة، وتراوح موقفها بين الخوف من معاداة الساميّة وبين أفضليّة الوقوف على «الحياد». كلّ التحصيل العلمي في الغرب كما عندنا يقوم على النقد وضرورة النقد. ولكنّنا وجدنا في الحربين الأخيرتين – أوكرانيا وغزّة- أنّ الغرب حاول قمع أيّ رأي مناهض لموقف الحكومات، وتحوّل الإعلام إلى سيمفونيّة تهلّل لحرب يمكن ان تتحوّل إلى حرب عالميّة نوويّة مدمّرة للبشريّة، دون أيّ حسّ نقديّ أو دعوة لنقاش حول كيفيّة تفادي الحرب أو إنهائها. في الحرب على غزّة تبنّى السياسيّون وإدارات الجامعات السرديّة الرسميّة الصهيونيّة وحاولت مجالس مدن منع التظاهرات وتشويه صورتها، وحين عبّر الطلّاب عن مواقف سياسيّة حاولت إدارات الجامعات قمعهم بتهديدهم بمنع التمويل عنهم، وحاول بعضها (جامعة يورك مثلا) حلّ إدارات مجالس طلّابيّة وفرض انتخاب مجالس جديدة لا يترشّح عليها طلّاب محدّدون، وقد لاحق أساتذة طلّابهم ووضعوا لوائح سوداء لمنعهم من العمل أو من إيجاد مكان للتدريب... اللائحة تطول. بضعة أستاذة في الجامعة الأميركيّة انضمّوا إلى هذا الجوق بينما أصدر أساتذة الجامعة الأميركيّة بيانا أعلنوا فيه تضامنهم الكامل وغير المشروط مع الشعب الفلسطيني في مواجهة جرائم الاحتلال، وهذا بارقة أمل. أمّا الليسيه فقالت في بيان لها أنّها تريد قطع الطريق على «معاداة السامية وضرب الهوية العلمانية» ولكأنّ العلمانيّة تفترض الامتناع عن النقد والتفكير والنقاش. ولكن كيف يمكن أن نتوقّع أمرا آخر من مؤسّسات تربويّة أجنبيّة هي جزء من آلة الاستعمار ويد له تغرّب الأجيال عن واقعها؟ إن لم تسمح المدارس والجامعات النقاش والتعبير فأين سيتمّ هذان؟ إن لم يتدرّب الناس على النقاش فيهما فأين سيتدرّبون؟ هذا يفرّغ المدارس والجامعات من معناها الأخير: أن يتفتّح والعقل والقلب في الإنسان ليتمكّن من نقد الواقع ودفعه إلى التحسّن. لكنّ الاتجاه الحاليّ ومنذ سنوات في الغرب كما عندنا هو أن تكون الجماعات مكانا لإعداد براغٍ جديدة في آلة الاقتصاد، أو بكلمة أخرى عبيد جدد لرأس المال والمتحكّمين في السياسة والاقتصاد. مرحلة التسعينات في لبنان ما بعد الحرب الأهليّة هي خير دليل لدينا عن المتعلّمين الذين صاروا إلى اليوم أتباعا، دخلوا قفص الزعماء زرافات زرافات وقدّموا فروض الطاعة صاغرين مقابل بدل مادّي. قدّموا الفكر والحرّية أضحيّتين على مذبح الإفادة المادّية، والتبرير كان أنّ هذا المشروع أفضل من ذاك. عندما سألني مرّة صديق عن عدم اهتمامي بالـ«الإتيكيت» قلت له أنّي ربّما من حسنات الدكتوراة أنّي أستطيع أن أبصق على الإيتيكيت بكلّ راحة، اكتشفت مع الوقت أنّ من حسناتها أن أقول بكلّ راحة لا تحترموا الأستاذة ولا غيرهم، لا تحترموا أحدًا لوظيفته (وخاصّة رجال الدين)، يمكنهم أن يكونوا مرتزقة بكلّ معنى الكلمة، يقدّمون عقلهم وجهدهم سلاحا لمن يدفع أكثر، أو يطوّعونه لأحقادهم الطبقيّة والطائفيّة والعنصريّة. كلّ شيء يجب أن يتبع احترام الحياة، احترام الحياة هو الذي يحدّد قيمة فكر أو كلام أو فعل إنسان. مقاطعة ومناهضة إسرائيل هي واجب أخلاقيّ أعلى في بلادنا، ليكون الإنسان متضامنا مع الحياة. الصهيونيّة استعلاء يزرع الموت في بلادنا، ليس فقط لشعبنا، ولكن للجميع، للإنسان كإنسان، وقد حضّ في الماضي الخارج عن الصهيونيّة الأستاذ إسرائيل شاحاك ألاّ يوصِلَ المنتخبون في كيان الاحتلال السفّاحَ شارونَ وأمثاله إلى الحكم «حتى لا يقضوا على الفلسطينيين، وعلى الاسرائيليّين ككائنات بشريّة». فشل نداء شاحاك حتّى الآن. بقي أن نشارك جهود مقاومة في دحر مشروع الاحتلال والهيمنة الصهيونيّ ليكون سلام وتنجو الإنسانيّة، والمقاطعة طريق مشاركة في مقاومة الظلم مفتوح أمام الجميع. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |