خريستو المرّ – الثلاثاء ١١ نيسان/أبريل ٢٠٢٣
إلى يسوع لم تكن أنتَ ذاك الصامت ولا ذاك الجسد المفتوح على الآلام، كنتَ الثائر على الفوقيّة الدينيّة، على اكتفاء المتديّنين بمعرفتهم الدينيّة وانغلاقهم عن إخوتهم في الإنسانيّة، كنت مدجّجا بالفكر الذي يفخّخ منطق الفوقيّة -وكانت دينيّة في وقتك – تلك الفوقيّة التي هي أبدًا باهتةً أمام العقل والقلب. كنت ذاك الذي تآمروا عليه ليهلكوه لأنّ وجوده فضيحة، لأنّ حضورَه كلمةٌ تفضح الفوقيّة المتباهية بأسلحتها الإيديولوجيّة والماليّة والسلطويّة. لم يَرُق لكَ أن يصلّي الرجل إلى الله شاكرا أنّه لم يولد امرأةً في مجتمعك، ففتحت بُعدا جديدا في عالمك واستقبلت النساءَ ضمن جماعة الذين تبعوك لأنّهم أحبّوك. مججتَ أن يتعالى اللاهوتيّون على الناس في طوائفهم، وضربتَ بعرض الحائط الإيديولوجيّةَ القائلة بأنّ دم َالبشر من الطوائف والأديان الأخرى "أنجس من دم الخنازير" كما كان يعتقد المتديّنون المحيطين بك؛ ضربتَ جدران الغربة بين الناس وصرّحت جهارًا وخلافا لكلّ التقاليد بأنّ القرابة بين الناس تُصنع صُنعا، بأنّ الإنسان عندما يخدم حياة الآخر «الغريب» ويدفع عنه الموت يجعل بينهما قرابة. انتقدتَ الذين يُظهرون تديّنهم باستعراض مضخّم للإشارات الدينيّة الخارجيّة ويطالبون الناس بما لا يطالبون به أنفسهم؛ وقرّعتَ الذين يتعالون فيطلبون صدور المجالس وأماكن الصلاة ويرغبون بتلقّي التحيّات والألقاب وقلت لأتباعك أنّ الجميع أخوات وإخوة متساوون في الكرامة، وفَهِمَ أتباعك ذلك بأنّ أخصّاءَك هم حلقة المحبّين المتحلّقين حولك. لقد زلزلتَ المؤسّسة الدينيّة وأدَنْتَ جمعها المال من استغلال الضعفاء، ووبّختَ رجال الدين على نفاقهم بتمسّكهم الشديد بالمظاهر الدينيّة مع إدارتهم الظهر للأخوّة البشريّة، حتّى لرأيت كبارهم «أولاد أفاعي» و«قبورا مُبَيّضة تظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكلّ نجاسة»، وقلت لهم مواجهةً أن «من خارج تَظهرون للناس أبرارًا، ولكنّكم من داخل مشحونون رياءً وإثمًا». قلتَ لهم أنّ الأرض وما عليها لكَ، وأنّ البشر يتقاسمون الحياة بالمحبّة والأخوةّ، لهذا كان لا بدّ أن يكرهك الذين أرادوا الاستئثار والفوقيّة في كلّ جيل من كلّ شعب وكلّ دين وأن يتآمروا على قتلك في الأبرياء. ولهذا كذلك كان المستأثرون، المستولون على الأراضي، المستغلّون، والمستعرضون للإشارات الدينيّة، المتعالون على غيرهم، المكتفون المنغلقون على الأخوّة الإنسانيّة منذ أيّام يدكّون جسدكَ داخل المسجد الأقصى تحت أعقاب بنادق جيش الاحتلال، فغدا من جديد جسدك المضروب صرخة مواجهةٍ على دربِ مقاومةٍ للموت سينهيها الفلسطينيّون المحبّون للحياة مثلك، بالانتصار على الموت، عاجلًا أم آجلا. لسنواتٍ سكنتَ ملامح الأسرى المضربين عن الطعام فحوّلتَ السجون دروب جلجلة، دروبَ استقبال طوعيّ للألم كثمنٍ لا يتوانى الحرّ عن دفعه ليبقى حرّا، دروب مواجهة لعدوّ الحياة بالأجساد المعلّقة على الجوع؛ ومَن جاع إلى الطعام كانت كرامة الحياة عنده غذاءً للروح. عيّد المسيحيّون لقيامتك، أو هم يعيّدون خلال أيّام، ولا يكمل العيد إلّا حين نراك في وجوه الفلسطينيّين تغنّي تحت شمس الحرّية. عندها سنقول معهم أنّك قمتَ وأنّك حكمتَ في الأرض عدلًا. عندها، بعد أن نكون قد طلبناك في أجساد الأطفال السابحة بدمائها، نقبّلُ قدميكَ في أقدامهم الراكضة فوق تراب فلسطين وقد تجلّت عروسا للمحبّين وبيتًا للأخوّة الإنسانيّة كما أنتَ أحببت. أنت حاجتنا الوحيدة ولهذا نحتاج أن نتتبّع وجهك في كلّ وجهٍ أسير ومدمّى وموجوع ومثكول، وأن نمدّ الوجوه بأسباب الظفر والغلبة على كلّ جحيم، وعلى جحيم الاحتلال والعنصريّة. أنت الغالبُ. رجاؤنا أن نكون جسدك السرّي على هذه الأرض، أن نحبّ معك، وأن ننزل جحيمنا معك، وأن نتمسّك بك لنغلب معك، يا أيّها النازل إلى الجحيم ومفجّرها، والمحطّم قيود المكبّلين فيها، والصاعد معهم في عربات النور. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |