خريستو المرّ
الأحد ١٨ أيلول / سبتمبر ٢٠٢٢ إلى صديقي ومعلّمي الذي سبقنا إلى هناك، كوستي بندلي كما هو متوقّع، فإنّ إتّهامات امرأة لمطران أميركا الشماليّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة بأنّه أقام معها علاقة لمدّة ١٧ عامًا دمّرت زواجها، عدا عن علاقاته مع نساء أخريات، انتهت (حاليًّا) باستقالة المطران؛ وهي استقالة يُفهم منها إشارة إلى صحّة تلك الاتّهامات ومسعى البطريرك إلى إيجاد مخرج صامت دون «شوشرة». يخرج المطران من الخدمة، ويعيّن مطران جديد (مِنَ المحسوبين على مَنْ؟)، و«يا دار ما دخلك شرّ». لكن هناك أسئلة لم يطرحها الحكماء على أنفسهم: هل ما فعله المطران خلال ولايته -التي لم تنته رسميّا بعد- هو من قبيل إساءة استخدام موقع السلطة؟ هل استغلّ المطران سلطته الدينيّة للاستغلال العاطفيّ والجنسيّ لتلك المرأة ولغيرها من النساء؟ والمطران متّهم بشراء منزلين مع امرأتين مختلفتين، فهل من سوء استخدام ماليّ للسلطة؟ ماذا يمكن أن تقوم به الكنيسة لأجل تفادي أوضاع مشابهة قائمة اليوم أو يمكن أن تقوم في المستقبل؟ إنّ القادة الدينيون في جميع الأديان يتمتّعون بسلطة كبيرة جدّا؛ وغالبًا ما يتم تعليم الأطفال والكبار إظهار الاحترام للشخصيّات الدينية، وأن يعتبروهم، بشكل تلقائيّ، جديرين بالثقة، ويمثّلون دورهم بالفعل كقادة روحيين وأخلاقيين. طبعا، الواقع يدلّنا أنّ هكذا تربية كارثيّة وكلّ ما تُعَلِّمه هو هراء؛ فالواقع مختلف تماما ويناقض هذه الصورة الجميلة لأصحاب السلطة الدينيّة. لكنّ هذا الهراء هو تربية وواقع مستمرّين؛ معظم الناس يثقون برجال ادلين وينظرون إليهم، كما ينظرون إلى كلّ صاحب سلطة، بمزيج من الاحترام والرهبة. ولهذا من مسؤوليّة المجمع أن ينظر في الأسئلة التي سقناها، كما وفي غيرها. ما هو موقع الجنس من الحياة الرهبانيّة وحياة رجال الدين غير المتزوّجين؟ سمعنا أكثر من مرّة عن مطران يُفسِد حياة طالب لاهوت بإغرائه بأن يترك حبيبته ويترهّب لكي يتمّ ترقيته في الهرم الكنسيّ ليصبح مطرانًا (من المحسوبين) لاحقًا. لهذا، كان يوما مفرحًا، ليس فقط عندي ولكن للملائكة في السماء أيضًا، أن نسمع عن مطران يترك خدمته ويلتحق بحبيبته ويتزوّجها. هذا كان ضالًا فوُجِدَ وكان ميتًا فعاش، وهذا سبب لفرح الملائكة في السماء بحسب يسوع، لأنّه تاب عن خطيئة ترك الحبّ لأجل السلطة. أمّا مَن تبتّل طمعًا في سلطة، فما يزال في الموت إن هو بقي في هذه الذهنيّة. التبتّل لا يمكن أن يكون أصيلًا إلّا إذا كان المتبتّل ينظر إلى الجنس نظرة إيجابيّة، وكان متصالحا مع طاقته الجنسيّة. الجنس رغبة داخليّة لا مهرب منها. هي لا تختفي لمجرّد أن قرّر الإنسان التبتّل. وبما أنّه لا مهرب من أمر موجود في الجسد والنفس، فإنّ الإنسان الذي يبقى عاجزًا عن اتّخاذ موقف من طاقته الجنسيّة، فيتعامى عنها عوض أن يعيشها أو أن يضبطها بشكل واعٍ، يتسبّب لنفسه بما يُدعى بالكبت. بالكبت تبقى الطاقة الجنسيّة قائمةً بكلّ عنفوانها بعيدة عن متناول وعي الإنسان. هذا الإنسان قد يتبتّل، ولكنّه لا يكون عفيفًا أبدا. فطاقته الجنسيّة تبقى طاقةً هوجاء، بعيدة عن مركز الشخصيّة، غير مهذّبة ولا مصقولة؛ تُضحي كأنّها جسمٌ غريبٌ عن الشخصيّة له استقلاله. ولكنّ المكبوت لا يغيب، بل يعود، ولعودته أشكال، نذكّر بها في ما يلي. إنّ الجنس طاقة تدفعنا للّقاء بآخر، ولهذا فإنّ رفض دمج الجنس بالشخصيّة، يعطّل طاقتنا على اللقاء، على الحبّ بالمعنى الواسع للعبارة؛ فتكون النتيجة ما نلاحظه أحيانا كثيرة من انطوائيّة وكآبة، وجفاف عاطفيّ، بل وقسوة، عند بعض المتبتّلين. وقد تنصبّ النزعة الجنسيّة المكبوتة إلى الذات، فيعشق المتبتّل ذاته ولو هو وعظ بالتواضع والمحبّة طيلة النهار. وينكشف هذا العشق لذاته في كبريائه، وروح تسلّط خانقة على من هم حوله. إنّ روح التسلّط المتفشّية في الكنيسة يجب أن تُحَلَّل من زاوية الكبت الجنسيّ، أي من زاوية تربويّة-نفسيّة، وبالتالي فإنّ مواجهتها يجب برأينا أن ترتكز على معطيات علوم النفس. عدا التسلّط، فإنّ الجنس المكبوت قد يعود من خلال الطمع، والرغبة الشديدة بالمال وتكديسه، أو في البخل الشديد. وكذلك تتجلّى عودة المكبوت في الاهتمام المفرط في الجنس. هذا يفسّر مثلًا، ما نقله لي شابات وشباب بغرابة عن آبائهم الروحيّين سؤال هؤلاء لهنّ ولهم فجأةً عن حياتهم الجنسيّة، وإذا ما كان لديهم علاقات جنسيّة أو إذا ما كانوا يشاهدون أفلامًا خلاعيّة. إنّ الاهتمام بالموضوع (دون أن تذكره الشابات والشباب) يشي باهتمام مفرط خرج عن حدّه وبلغ حدود التحرّش اللفظيّ (وهو أودى إلى التحرّش الجسديّ في بعض الحالات). وقد يتجلّى الجنس المكبوت أيضًا بالعكس بالجزع من أيّ ذكر للجنس كتابة أو كلامًا، وقد يظنّ الإنسان أنّ في ذلك عفّة مرهفة، ولكنّها في الحقيقة عفّة زائفة لأنّها تعبير معكوس عن اهتمام بالجنس مفرط يطفو على سطح الوعي عند أقلّ إشارة للموضوع، ممّا يسبّب الجزع. وأخيرًا، قد ينفجر المكبوت بصورة مباغتة ويعود بشكل جامح ومدمّر، فتنطلق الغريزة الجنسيّة بشكل بدائيّ غير عابئ بالآخر ومشاعره، فيتمّ الاعتداء عليه. على ضوء كشف علوم النفس لأثر الكبت الجنسيّ والتي حاولنا تلخيص ما نعرفه عنها، يعود مفهومًا ما نراه من انحرافات على صعيد الرهبان والراهبات، وعلى صعيد الأساقفة، ومن انحرافات في طريقة جذبِ شبابٍ للبتوليّة، طريقةٍ تمثّل تخريبا نفسيًّا فادحًا. وإن كان الكبت يفسّر فهو لا يبرّر إساءة استخدام السلطة، الرهبانيّة أو الأسقفيّة، للاعتداء على الشابات والشباب، أو لاستغلالهنّ واستغلالهم، أو لسيادة روح التسلّط، وعبادة المال. فهذه انحرافات لها آثار فادحة، وتمثّل سوء استخدام للسلطة يوجب الشكوى وتجب مواجهته. ولكن ألا تقتضي الحكمة - العزيزة على قلب البطريرك - أن يقوم المجمع بمراجعة جدّية للتربية الكنسيّة ولطرق قبول الناس في الرهبنة والأسقفيّة؟ ولكن لا نعوّل على ذلك، نعوّل على شابات وشباب الكنيسة أن يقوموا بتلك المراجعة ويدفعوا إليها. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |