الثلاثاء ١٠ آذار/مارس ٢٠٢٠
لا شكّ أنّ فيروس كورونا سبّب ويسبّب قلقا واسعا حول العالم، وفي بلداننا التي ينخر فيها الفساد والكذب في الحقل العام، وتضعف ثقة المواطنات والمواطنين بالذين من المفترض أن يكونوا مسؤولين عن حسن سير البلاد، يتصاعد القلق، ويشعر الإنسان بأنّه متروكٌ أمام خطر. في حالة الانهيار الصحّي فإنّ البديل عن السلطة الفاشلة هو مجموعة طبّية موثوقة تعطي الارشادات الممكنة. هو سلطة بديلة إن أمكن. الاهتمام بالضعيف دون علم مرشّح أن يجنح إلى نشر وسائل مضرّة للبشر بذريعة الاهتمام بهم: هذا ما يقوم به متلاعبون بالحقيقة عندما يقدّمون وصفات علاجيّة هي هراء كامل. لكنّ الهراء الأكبر هو ما يتفوّه به بعض رجال الدين. الهراء هو نتيجة خلط شائع في الذهن بين السحر وبين الإيمان. ورجال الدين ليسوا خارج خطر هذا الخلط. البشريّة واحدة. الكلّ قلقهم واحد. عدم قدرتهم على احتمال القلق الشديد لفترة طويلة واحد. وخطر نكوصهم إلى طفوليّة ووسائل بدائيّة لتوهّم التحكّم بالمصير واحد. خطر رجال الدين ليس في هذا، خطرهم في أنّهم مقتنعون أنّهم يريدون أن يقودوا أتباع دياناتهم في كلّ شيء، فإن كانت قيادتهم لاعقلانيّة، أو قليلة العلم، أو متفرّدة، أو فاسدة (بجميع أنواع المعاني)، ضلّوا وأضلّوا. ما هو السحر: هو أن تعتقد أنّ مجموعة حركات وطقوس معيّنة ستؤدّي إلى نتيجة معيّنة، وأنّك تستدرج الألوهة إلى أن تعمل لك ما تريد وتريدين، مقابل أن تعملي لها ما تظنّ وتظنّي أنّها تريده. اللبّ أنّك تستخدم الألوهة لمآربك مقابل أن تقدّم لها شيئا. هذه عمليّة تجاريّة في العمق يلعب فيها الخوف الدور الأكبر. وهي محاولة استيلاء على الألوهة، تحوّل الألوهة إلى شيء. ما هو الإيمان بالله؟ الإيمان، في لبّه، هو علاقة مع الله تؤدّي إلى تحوّل في طريقة حياتك، هنا والآن. شتّان إذا بين الإيمان والسحر. مَن يؤمن وتؤمن بالله تعتقد أنّ الله قادر على الشفاء، وقد تسأله الشفاء، ولكنّه لا يعتمد عليه للشفاء، ولا يعتقد أنّ عمليّة ما طقسيّة مطلوبة أو تحتّم أن يتصرّف الله بشكل محدّد، العجائب هي كذلك لأنّها خارج مألوف الناس وتوقّعاتهم، وشأن الله أن يقوم بأعجوبة في لحظة ما. الأعجوبة هي إطلالة من الله لا تحمي من يُشفى "عجائبيّاً" من المرض مرّة ثانية بمرض يؤدّي به إلى الموت. نصلّي لشفاء المرضى ونستخدم وسائل الطبّ الحديث؛ وقد يتمنّى المؤمن والمؤمنة أعجوبةً دون أن يكون ذلك شرطًا للإيمان أو للقيام بفعلٍ ما، وإلاّ تدهورت العلاقة إلى مستوى العمليّة التجاريّة. الصلاة للمرضى، واستخدام طقسٍ ما، مثل مسحة الزيت لدى المسيحيين، ليس عمليّة أوتوماتيكيّة سحريّة. "نحن عاملون مع الله" (١ كورنثوس ٣: ٩). لم أقرأ أعظم من هكذا عبارة في كرامة البشر ومشاركتهم للإله في تجديد هذه الأرض وتحويلها إلى مكان يُحيي الإنسان في فرح المشاركة، أي بتحويلها إلى مكان يمجّد الله: ألم يقل القدّيس إيريناوس يوما بأنّ مجد الله هو الإنسان الحيّ؟ هذا العمل الجماعيّ والفرديّ مع الله يتطلّب فكرًا، وعلمًا، وقلوبًا جعلت الفقراء والمهمّشين والمظلومين في وسطها، أي قلوبًا حملت كلّ حامل وحاملة صليبٍ عرفت به، فسعت أن تخفّف عنهم وطأة صلبانهم: صلبان الظلم، والاحتلال، والتهميش، والعنف المنزلي، وعدم المساواة بالكرامة والحقوق، وسياسات الإفقار، والأمراض (الموجودة بحكم الطبيعة وبحكم الإهمال والنهب)، والتلوّث، والتعذيب، والاعتقال، وكمّ الأفواه والعقول... عندها تتحوّل هذه القلوب إلى وجوه للمسيح، بالمسيح الذي يسكنها، فتسير في رحلة "شركاء للطبيعة الإلهيّة"(٢ بطرس ١: ٤). إنّ انعدام القلق التام شيء من موت. الإيمان الحقّ لا يعفي من القلق. وإنّما يحفّز الإنسان كي يعمل على مواجهة المصائب عوض النكوص إلى موقف غير ناضج يلقي به التهم على آخر إلهيّ، أو ينكر به المخاطر. السحر خضوعٌ ذليل لقلقٍ يعطّل المشاركة بالعمل مع الله. الإيمان قلق إيجابيّ على الحياة. فلا نبقى في عبوديّة السحر خوفا من الموت، موت التخلّي عن وهم احتواء الله. خريستو المر
0 Comments
Leave a Reply. |
الكاتبخريستو المر الأرشيف
November 2022
Categories |