خريستو المرّ
الثلاثاء ٩ تشرين ثاني / نوفمبر ٢٠٢١ الكنيسة كلمة ملتبسة الاستعمال، شأنها شأن كلمات أخرى كثيرة تشوّه معناها من كثرة استعمال المنافقين لها. ألكنيسة - ولا نقصد المؤسّسة الكنسيّة وإنّما الكنيسة الحقّة بالمفهوم الإيمانيّ لها - هي «جسد المسيح»، أي هي الناس الذين يؤمنون بها لدرجة أنّهم وإيّاه صاروا واحدًا بحيث أنّ حضورهم بات يجسّد حضوره في الزمن والتاريخ، لأنّهم باتوا لا يتوانون أن يحيوا وأن يموتوا، ويُصلبوا أحياء، من أجل حياة الآخرين. الوحدة مع المسيح هي الأساس في النظر إلى جماعة ما على أنّها كنيسة. ولأنّنا مخلوقات تحتاج أن تفكّر وتفعل وتعبّر من خلال مواد هذا العالم، فقد اختار يسوع، بشكل أساس، المناولةَ تعبيرًا مادّيًا ليضمّ إليه الذين أحبّوه فيصيروا واحدًا، ويصيرون «جسده» وحضوره عبر التاريخ. بالمناولة يعطي يسوع نفسه للناس الذين قبلوه هو البريء المعلّق على الصليب والذي قال أنّه واحد مع المهمّشين. ولهذا فالكنيسة لا تكون كنيسة دون البريء والمهمّش، ولا نعرفها إلّا في وجهين: وجه البريء المهمّش، ووجه الذي قبل أن يدافعَ عنه فانحنى على كتفه محتضنًا، أو اضطرّ أن ينام على كتف الصليب شهادةً للحقيقة ودفاعًا عن البريء المهمّش. لهذا فإنّ دفاع المؤسّسة الرسميّة عن المعتدين على الناس والأطفال والمراهقين فيها، كما ودفاعهم عن الظالمين الذي يأكلون أجساد الناس ويحرقون نفوسهم بالاستغلال والنهب والجريمة، لا يمثّل الكنيسة. هكذا كنيسة رسميّة تخرج عن كونها جسدا للمسيح لتصبح جسدًا لما هو ضدّ المسيح. لهذا فإنّ حكمًا على مُرتكِبين مُنتمين إلى الكنيسة الرسميّة ليس عملًا ضدّ المسيح، وإنّما عملٌ يجسّد المسيحَ في هذا العالم لأنّه يجسّد العدالة والحقّ الذي يحرّر، يحرّر المظلوم ويفتح الطريق أمام الظالم ليتحرّر من ظلمه. تخاف الكنيسة الرسمية من «الفضيحة» والفضيحة الحقيقيّة رابضة في الكثير من أعمالها: قمع، تسلّط، صرف نفوذ، حماية ودعم السياسيّين والمصرفيّين، تأجيج طائفيّ، عنصريّة... الحكم على المرتكبين ليس فضيحة وإنّما مسحٌ للفضيحة، توبةٌ عنها، ونصرٌ لسيّد الأبرياء، ولهذا هو "نصر للكنيسة، كنيسة المسكين والفقير" كما عبّرت الصديقة د. مارينا رزق تعليقًا على حكم لمحكمة فرنسيّة صدر بحقّ "الأب" منصور لبكي. الكنيسة المارونيّة في لبنان اضطرّت مجبرةً أن تقبل حكمًا من الفاتيكان بحقّ لبكي، وها نحن نشهد حكمَ محكمةٍ فرنسيّة بحقّه أيضًا، ولكنّ الكنيسة المارونيّة الرسميّة مستمرّة في تهريبه وحمايته، ومستمرّة في حماية المسؤولين الماليّين والاقتصاديّين والسياسيّين عن النهب الماليّ. المؤمنون الموارنة محظوظون لأنّ الفاتيكان خارج لبنان وسوريّة ووصل اليوم لقناعة (متأخّرة كثيرًا) بضرورة مواجهة جرائم رجال الدين. المؤمنون الأرثوذكس ليسوا بهذا الحظّ، عليهم أن ينتظروا من يتحلّون بالشجاعة لكي يدفعوا رجال الدين، الواعظين بالتواضع والمحبّة ليل نهار، إلى أن يعملوا بحسب إيمانهم بيسوع فيحموا البريء بتحقيق العدالة. عبر التاريخ، انتظرت الكنيسة أن تتحرّر من خطاياها بواسطة يسوع الذي أغلقت عليه خارجًا، فقرع أبوابها بأتباعه من ملحدين ومؤمنين غير مسيحيّين، لتفتح أبوابها للحقّ، فيحرّر هو الكرامةَ البشريّةَ الأسيرةَ بين جدرانها. لكن هل يوجد المسيح خارج الكنيسة؟ بالطبع يوجد فهو الكلمة الحاضر في كلّ الخليقة والذي يجذب إليه المخلوقات جميعًا. كلّ شاهدٍ للحقيقة، كلّ مدفع عن الحقّ، كلّ ساعٍ لعدالة، يجسّد الكلمة الحاضر فيه لأنّه ينحني على كتف البريء. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |