خريستو المرّ
الثلاثاء 6 تمّوز/يوليو ٢٠٢١ الأسبوع المنصرم زار بطاركة المسيحيّين في لبنان البابا فرنسيس. يمكن للإنسان أن يستشفّ أنّهم اجتمعوا ليتبادلوا الرأي حول أوضاع البلاد النازلة إلى جحيمٍ كان يمكن أن يتوقّعه كلّ عاقلٍ. صلّى ممثّلو الطوائف معًا، وكان للبابا دعاءٌ بأن تترك القوى الخارجيّة والداخليّة مساعي الهيمنة والمصالح الخاصة واستغلال آلام الناس لتهتمّ للسلام. ويُفهم من كلام المطران بول كالاغير، وزير خارجية الفاتيكان، أنّ من دوافع الاجتماع قلقٌ عام من هجرةٍ واسعةٍ للمسيحيّين من لبنان على غرار ا حدث في العراق وسوريا. فاته أنّ الهجرة ستطاول الجميع وليس المسيحيّين فقط، وأنّ المسيحيّ مؤتمن على حياة الناس جميعًا لا المسيحيّين فقط. في حرصهم الظاهريّ على وجود المسيحيّين لا يوحي ممثّلو الكنائس في لبنان بالثقة. فهم أوّلا حلفاء أهل السلطة الذين أودوا بالبلاد إلى أوضاعها الكارثيّة، سواء في لبنان أم في سوريا. في لبنان تحديدًا، حَرِصَ رجال الدين على الدفاع عن المرتكبين الذين تشوبهم تهم لفساد، وتأمين سدّ طائفيّ منيع لحمايتهم من أيّة محاكمة ممكنة، والدافع الواضح هو "التوازن الطائفيّ" في الفساد والمحاكمات، لو قال بذلك جارنا «عبد الله» لفهمنا عليه فهو انسان مسحوق قد لعب الإعلام بعقله لعشرات السنين كي يوهمه أنّ حماية "حقوق طائفته" ستحصّل حقوقه، وهذا عين الوهم. لكن رجال الدين ليسوا جارنا «عبد الله» المغلوب على أمره، هم كانوا وما زالوا شركاء الطبقة الماليّة-السياسيّة في البلاد. لقد استفادوا ويستفيدون من تبرّعاتها للمؤسّسات الكنسيّة (تبرّع ببناء لجامعة من هنا، تبرّع ماليّ، هدايا سجّاد عجميّ لمطرانيّة، تبرّع موتور لكنيسة عشيّة الانتخابات، إلخ)، ومن الإعفاءات الضريبيّة للمؤسّسات الدينيّة والممتلكات والأراضي، ومن حماية رجال الدين من الملاحقات القانونيّة. في المقابل يقدّم رجال الدين لهم "خدمات" جلّى، مِن حماية من الملاحقات القانونيّة (المعاملة هنا بالمِثِل!)، وتأجير لأراضي الأوقاف بأسعار متهاودة لمشاريع «البزنس» المربحة، إلى ما هنالك. رجال الدين والمجموعة الماليّة-السياسيّة الفاسدة شركاء إلى حدّ كبير، والمؤسّسات الكنسيّة والإسلاميّة استفادت كثيرا من فساد الفاسدين. الآن يرفعون الصوت في مسرحيّة بائسة، رفعًا للعتب فقط. إذًا، المسؤولون الكبار في الطوائف المسيحيّة لا يتدخّلون فقط في تفاصيل الحياة السياسيّة (مثل البطريرك المارونيّ، ومطران بيروت الأرثوذكسيّ) وهو أمرٌ فيه تجاوزٌ لدورهم الدينيّ، وإنّما يتدخلّون أيضًا في السياسة بشكل مستمرّ من خلال تبادل الخدمات والحماية مع مجموعة الأوليغارشيّة أي السلطة الماليّة-السياسيّة؛ أي أنّهم يتدخّلون بشكل مستمرّ.... ضدّ الشعب.... ويغطّون مساوئهم بتوزيع المساعدات الآتية من الخارج. ماذا يمنع الكنائس اليوم من استعمال الكمّ الهائل من أراضيها وعقاراتها في خدمة المحتاجين من جميع الناس مسيحيين وغير مسيحيين؟ لا شيء سوى تفضيل الممتلكات على الإنسان. الكلام نفسه ينطبق على الطوائف الإسلاميّة حيث يُضاف مشكلة أخرى عندما يترأس مسؤول دينيّ حزبًا سياسيًا إذ يتمّ عندها الخلط بين المعتقدات وبين الشخص وبين الحزب. *** في مكان آخر، تابع رجل دين مسيحيّ نشر مقالات يدافع فيها عن هلوسةٍ (وهي ظاهرةٌ تحتاج للدراسة العلميّة من متخصّصين) تقول بأنّ هناك مؤامرة عالميّة للتحكّم بالإنسان بواسطة لقاح مرض كوفيد19. يأتي صاحب المقال بعدد من "الشهادات" لعدد من "المتخصّصين"، متجاهلًا رأي مئات آلاف الباحثين والأطبّاء حول العالم. ليست المشكلة في خطأ رجل الدين هذا، ولا في قناعة رجلٍ دينٍ بوجوب عدم أخذ اللقاح، المشكلة هي في أنّه في موقع سلطة، ومن موقعه هذا يدعو الناس إلى عدم أخذ اللقاح، وهو ما قد يؤدّي إلى موتهم أو موت آخرين عن طريقهم. العلوم لها مرجعيّاتها وأدواتها، وطرقها في تقديم الدليل والحجّة. نحن غير المتخصّصين في علم ما يمكننا أن نستخدم النتائج التي يتوصّل إليها المتخصّصون به، وأن نعود إليهم كمرجع، كما يمكننا أن نعود إلى هلوسات بضعة أشخاص لنكتب قصّة مشوّقة ننشرها، ولكن أن نعتمد على رأي بضعة أشخاص ولو كانوا متخصّصين لكي ندعو الناس إلى أمرٍ يُعاكسُ ما اتّفقت عليه المرجعيّات الطبّية حول العالم، فهو ضرب من التهوّر يُخشى أن تشوبه الكبرياء. هنا أيضا، يتدخّل رجال الدين ضدّ الناس، ولو عن حسن نيّة هذه المرّة، لكنّ الطريق إلى «جهنّم» مزروعة بالنيّات الحسنة، كما يُقال. *** نحن مسؤولون عن مصيرنا، عن تغيير سياسات بلادنا واقتصادها وطريقة تصرّف رجال دينها، كي نستطيع أن نحيا بكرامة وحرّية. أن نعي أنّ رجال الدين الذين ترسمهم وسائل الإعلام والتربية التقليديّة كأنّهم أنصاف آلهة، هم مجرّد بشر يمكنهم أن يَضلّوا ويُضِلّوا، ويمكنهم أن يكونوا -مثلنا جميعًا- من أعتى المتسلّطين وأفسد الفاسدين وأكبر المستغلّين وأجهل الجهلاء، لهو أمر يساعدنا أن نتعامل مع الواقع الكنسيّ والاجتماعيّ-السياسيّ-الاقتصاديّ بطريقة أقلّ كسلًا وأكثر مسؤوليّة، وبالتالي أكثر إبداعًا. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |