خريستو المرّ
الثلاثاء ٥ نيسان / أبريل ٢٠٢٢ تحشد الأحزاب كلّ لا عقلانيّة ممكنة كي تتمّ هذه الانتخابات في لبنان كما سابقاتها: دون مشاريع وإنّما بشعارات رنّانة طنّانة منافقة. الاستثناء الوحيد المشرّف لأصحابه ولمن يهتم برعاية براعم الأمل حيث لا أمل، هو مشروع «مواطنون ومواطنات في دولة». وربّما من الدلائل غير المباشرة على صحّة هذا المشروع أنّه يُهاجم من طرفي النزاع الأهلي اللذَين اشتركا (ويشتركان معًا اليوم) في دفع البلاد نحو الخراب بتدمير اقتصاده. صحيح أنّ حجم المسؤوليّات يختلف من حزب إلى آخر، ولكنّ الجميع شريك المصارف، حتّى في لوائح الانتخابات! أمام هذا كلّه، أكثر ما يثير الغثيان هو التديّن الذي يُعَلَّق جانبًا كالمعطف عند كلّ مقاربة للشأن العام. لا يُقارِب مُعظم الناخبات والناخبين الانتخابات إلّا من منظار خياليّ هو «القبيلة الطائفيّة»، هذه القبيلة التي ما خلا زعيمها وبعض المحظيّين، واقعة اليوم في قاع الفقر أو ما يشابهه. والواضح أنّ انكشاف المجتمع على رياح الفقر يخدم هذا النظام السياسيّ القائم على توزيع السلطة والمغانم، والدليل أنّه لا يوجد خطّة لدى جميع مَن يتقاسمون الحكم، ولكلّ أهدافه. لكنّ السؤال هو: ما هو هدف الناخبة والناخب؟ لا بدّ أن ينطلق الإنسان من مبدأ أو رؤية عندما يقوم بأيّ عمل. كلّ عمل يعكس رؤيةً، أو منطقًا، يرى من خلاله الإنسان الواقع. حين يعتقد محازبي الأحزاب الطائفيّة أنّهم سينتخبون أحزابهم التي أفقرتهم فلأنّ ذلك بنظرهم يسمح لهم بالحفاظ على وجودهم كقبيلة طائفيّة، وبهذا هم ينسون واقع ووجود غيرهم، وينسون واقعهم هم كفقراء (حوالي ٨٠٪ من السكّان تحت خطّ الفقر بحسب الأمم المتّحدة، مهما كان عدد مرتادي المطاعم). ليس المشكلة أن يعطي الإنسان أولويّة لوجوده على قيد الحياة، ولكن ما هو هذا الوجود الذي أودى بحياته إلى جحيم اقتصاديّ لا عودة عنه في ظلّ هذا النظام المجرم (والكلمة هنا دقيقة وليست للمبالغة)؟ الأزمة الإيمانيّة الأعمق هنا هي في الانغلاق على الواقع الطائفيّ، هي في النرجسيّة الجماعيّة التي تجعل من كلّ طائفة كتلة مغلقة على واقعها (أو خيالها)، بحيث يغدو الله للإنسان – مهما كان خطابه جميلًا وأخلاقيًّا – وسيلةً لتحقيق أهداف اجتماعيّة للذات أو الطائفة (مال، سلطة، سطوة) بأيّة وسيلة (قمع، استغلال، شراء ذمم، ترهيب). ولكنّ هذا الكفر العمليّ بالله يجب أن يُلبَسَ لباسَ الإيمان وإلّا لم يحتمل الإنسان هذا الكمّ من الخيانة لإيمانه، وهنا يأتي دور رجال الدين المسيحيّين والمسلمين، عظاتهم وفتاويهم وتصريحاتهم الناريّة هي ما يُلبسُ عمليّة استعمال اسم الله وسيلةً لتحقيق مصالح النرجسيّتين الفرديّة والجماعيّة، لباسَ خدمةِ الله. عندها، يحتمل الإنسان بكلّ راحة ضمير وصفاء سريرة، أن يذهب إلى صندوق الاقتراع وأن يقترع في اتّجاه تدميريّ للمجتمع بعد أن يكون غسل يديه في ماء الدين في خيانة للإيمان، فإذا بالانتخابات مهرجان تديّن وثنيّ لطوائف تعبد ذاتها. الأمل ممكن، ولمن يؤمن هو ضروريّ. الأمل هو فعل أيمان. الإيمان هو أن يعمل الإنسان نحو ما لا يراه محقّقا اليوم. تاريخنا الصغير، أثبت أنّ قيام هبّة شعبيّة ممكن وفاعل. فشل هبّة شعبيّة لا يعني أنّها غير ممكنة، كلّ ما يعني أنّها فشلت، وأنّ النجاح يحتاج لأكثر من هبّة، يحتاج لخطّة وتعاون وسياسة. شعبٌ استطاع أن يطردَ محتلًّا، يستطيع أن يطرد لصوص البلاد أو يعتقلهم. المنطق يقول أنّ هناك أمل في العمل الجماعيّ الذي يدفع الواقع نحو الأهداف، وأنّ هذا يحتاج لزمن، ولتكاتف في الانتخابات وقبلها وبعدها. حاليّا، ومهما كان النقد لبرنامج «مواطنون ومواطنات في دولة»، هم أملٌ منطقيّ في هذه البلاد. أمّا الأحزاب الطائفيّة فستُعمِلُ في البلدِ مزيدًا من التخريب الاقتصاديّ ومن التدمير للمجتمع. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |