خريستو المرّ – الثلاثاء ١٠ تشرين أوّل/أكتوبر ٢٠٢٣ (الأخبار)
نكتب هذه السطور على وقع روح مقاومة فلسطينيّة تمرّغ عتاد وسلاح ومخابرات وتكنولوجيا وصلف وعنصريّة وخبث المستعمِر الاسرائيليّ ووراءه الأوروبيّ والشمال أميركي في التراب، وتفتّتها ضحكات الأطفال الجالسين فوق مصفّحة عسكريّة غنمها المقاومون. ستبقى صور الجندي الذين كان يضرب ويهدّد ويقتل ويقتحم المنازل في أنصاف الليالي ويقنص الفلسطينيّين العزّل ضاحكا، ستبقى صورته وهو مكبّل ورأسه تحت إبط المقاوم الذي يشدّ به إلى الأسر، ستبقى طويلا في الذاكرة، سيحفظ أولادنا تلك الصورة مع صور المقاومون في الهواء والبرّ والبحر، ويكنزون الشجاعة والأمل ليراكموا القدرة على التحرير الكامل. سيخرج العنصريّون في أصقاع الأرض، أولئك الذين سيتكلّمون عن المدنيّين في كيان الاحتلال وهم لا يأبهون للحمنا الذي يدوسه الاحتلال الاسرائيليّ، سيتكلّمون عن الأطفال ولن يذكروا اغتيال الاحتلال للطفل محمّد الدّرة (٢٠٠٠) أو إحراق المستعمرين الصهاينة للرضيع علي دوابشة (٢٠١٥)، أو قتل الاحتلال العَمْد الصحفيّة شيرين أبو عاقلة (٢٠٢٢) وزملائها من عزيز يوسف التنح (٢٠٠٠) إلى ياسر مرتجى (٢٠١٨) إلى سعيد الطويل ومحمد صبح وهشام النواجحة (صباح اليوم). سيستنكر العنصريّون خوف المدنيّين في كيان الاحتلال ولا يأبهون لقمع وخوف الفلسطينيّين اليوميّين، سيتحدّثون عن «خطف» ولا يأبهون لخطف الفلسطينيّين من بيوتهم ومن طرقاتهم وزجّهم في معتقلات الاحتلال دون «محاكمة»، ونحن لا نعترف بمحاكم الاحتلال أصلًا. سيفضح العنصريّون أنفسهم بأنفسهم حين يبكون الذي يحتلّ ويدينون المقاوم، فقط لأنّ الذي يحتلّ مستعمرٌ يشبههم ويخدم مصالحهم، لأنّ الكيان الصهيونيّ قلعتهم العسكريّة المزروعة في وسطنا، ولأنّهم لا يرون في سلّم قيم الحياة الإنسانيّة الذي تستبطنه عنصريّتهم قيمةً لحياتنا، لأنّ حياتنا غير مربحة لهم وموتنا أربح. سيفضح العنصريّون عنصريّتهم، كما ننتظر، ونحن سنكون غير آبهين لأنّنا نستشرف في شجاعةِ وتخطيطِ المقاومة الفلسطينيّة المستقبلَ الذي يعود فيها «الوحش الصاعد من الهاوية» إلى الهاوية. يخشى البعض أنّ المقاومة دينيّة الطابع، لكنّهم ينسون أنّ شعبًا محاصرًا مُستضعَفًا يُنّكّّل به يوميّا سيحفر -ومن حقّه وواجبه أن يحفر- في مناجمَ تاريخه كي يستخرج منه كلّ مصادر القوّة ومنها الدينيّة. إنّ أوجاع المسحوقين لا تحتمل الانتظار، وكلّ مصدر قوّة غير عنصريّ ولا متعالٍ، ولو كان دينيًّا، كسبٌ للجميع. الاحتلال وحكمه لا يتغيّران لأنّ الوجه العنصريّ الذي لا يتبدّل هو هوّيتهما الجامعة ضدّنا كلّنا. كلّ آتٍ أفضل من الاحتلال، ونحن نتمنّاه محترِمًا للإنسان وحرّيته، ولمساواة البشر بعضهم ببعض. القدسات الأساس هي البشر الذين يتوقون من بطون أمّهاتهم إلى الخروج إلى هواء الحرّية والحياة والفرح، والاحتلال يقتل هذا كلّه؛ لذلك «تقوم فلسطين ليس فقط بمقادسها ولكن بمجاهديها الميامين» (المطران جورج خضر)، ويجاهد كلٌّ في ميدان، ويمكن للمهتمّين بشكل الحكم في فلسطين الحرّة أن يجتهدوا بالتفكير بطريقة الحكم فيها منذ اليوم لأنّ الحرّية ستأتي، كما كنّا مؤمنين دائما، واليوم هي أقرب. أمام دكّ الصواريخ الفتّاكة لأجساد أهلنا في فلسطين، أولادا ونساء ورجالا، أمام جرائم الاحتلال المتواصلة بموافقة عنصريّة غربيّة، يكاد يتمنّى الإنسان أن تأتي الحرّية دون قتال، دون موت أو وجع. لكنّ عقلنا يقول أنّ ذلك غير ممكن، ونسمع أهلنا في فلسطين يقولون بأفواههم وعيونهم ومقاومتهم، أنّهم توّاقون إلى الحرّية، إلى كامل الكرامة البشريّة، وأنّ الإجرام الصهيونيّ لا يتوقّف أكانوا سعوا إلى الحرّية أم لم يسعوا إليها، ولهذا هم ساعون، ويحتملون وحدهم أوجاع الطريق وكلفتها الباهظة. أنتم أهلنا الأبرياء المسحوقون، أنتم أهلنا المقاومون، ولهذا لكم منّا الإجلال، يا مَن تشهدون لأعجوبة انتفاضة الإنسان المستمرّة للتحرّر، يا من تشهدون لاحتجاج الحرّية البشريّة الدائم ضدّ ما يعتقلها مهما طال ومهما عتا، يا من تشهدون للاستعداد بالتضحية بالحياة من أجل الحياة، من أجل الكرامة البشريّة كمعنى للحياة، في قلب الوحشيّة في منطقتنا. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |