خريستو المرّ
الثلاثاء 29 آذار / مارس ٢٠٢٢ "في شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدمويّة... أنا الأرض/ والارض أنت/ خديجة! لا تغلقي الباب/ لا تدخلي في الغياب" (محمود درويش) في 30 آذار 1976 اندلعت احتجاجات في فلسطين المحتلّة من الجليل إلى النقب بعد مصادرة نظام الاستعمار والفصل العنصريّ المعروف بـ"اسرائيل" لآلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينيّة. خديجة (23 عامًا)، أرداها الاحتلال قرب منزلها برصاصة في ظهرها وهي تبحث عن اخيها الأصغر. خضر (27 عامًا) قُتِلَ برصاصة في الرأس وهو يحاول انقاذ معلّمة مُصابةٍ في بطنها. خير (23 عامًا) قُتِلَ بإطلاق النار عليه في تظاهرة. رجا (23 عامًا) أصيب في وجنته وتُرِكَ ينزف لساعات حتّى مات قبيل دخوله المستشفى. محسن (15 عامًا) قُتِلَ برصاصة في الرأس في تظاهرة. رأفت (19 عامًا) قُتِلَ برصاصة في الرأس أثناء التظاهر. جميع هؤلاء كانوا عُزَّل. هذه هي مناسبة يوم الأرض التي يحييها الفلسطينيّون ومناصري قضيّتهم الإنسانيّة العادلة في الثلاثين من أذار في كلّ عام. منذ حوالي 4 أعوام (2018) تظاهر الفلسطينيّون في غزّة في مسيرات سلميّة ضدّ نقل السفارة الأميركيّة إلى القدس غير مسلّحة وساروا باتّجاه الحدود المفروضة على ذاك المعتقل الأكبر في العالم الذي يُدعى غزّة. ماذا حصل؟ خلال أشهر، قام جنود جيش الاحتلال بقتل عمدٍ لعشرات الفلسطينيّين العُزّل، وبإعاقة المئات إذ كان القنّاصةُ يصوّبون قصدًا على أرجل المتظاهرين بقصد إحداث إعاقات جسديّة دائمة. وقنّص جيش الاحتلال أطبّاء (منهم الطبيب الفلسطيني الكنديّ د. طارق لُباني، أصابه قنّاص في رجليه ونجا بأعجوبة من البتر) والمسعفين والمسعفات (قتلوا رزان النجّار) والإعلاميّات والاعلاميّين (قتلوا موسى أبو حسنين). ماذا فعل العالم؟ لا شيء. بالكاد كانت الأحدث تًذكر بشكل طفيف في وسائل الإعلام الغربيّة، لا إدانات واسعة، لا ضغوط، ولا عقوبات. لم تحقّق الشجاعة الفلسطينية اللاعنفيّة أمام آلة القتل الاسرائيليّة أيّ هدف، ليس فقط لضعف في الاستراتيجيّة والأهداف الواضحة، ولكن أساسًا لأنّ الحكومات الداعمة للكيان الإجراميّ لا تأبه للحياة الإنسانيّة لإنسان غير أوروبيّ أو شمال أميركيّ، إلّا إذا كان الدفاع عنها تخدم مصالحها، ولا تمانع في قتلها إذا كان قتلها يخدم تلك المصالح: وهي أساسًا أرباح شركاتها. في المقابل، فإن المقاطعة الأكاديميّة والاقتصاديّة والثقافيّة لكيان الفصل العنصريّ فعّالة خارج فلسطين لأنّها تؤذي شرعيّة الاحتلال وتكشف عن وجهه اللاأخلاقيّ، ولذلك فهي تلاقي مقاومة كبيرة وترصد حكومات الاحتلال لمحاربتها الأموال، وتبذل الجهود. الأمثلة أكثر من أن تُذكر في كندا حول محاولة إدارات الجامعات تطويق أيّة حركة طلّابيّة تناهض سياسات الاحتلال والفصل العنصريّ الاسرائيليّة ضاربة في عرض الحائط أكثر من قاعدة أكاديميّة في النقد والحرّية وحقوق الإنسان. وفي لبنان، في مقابل فشل تطبيق قرارات الأمم المتّحدة المختصّة باحتلال جنوب لبنان (قرار 425 للذين يذكرونه)، وفي مقابل تكرار السياسيّين وبعض رجال الدين حتّى الغثيان دعوة الأمم المتّحدة لتطبيقها، دون أن يأبه العالم لها ولهم، ولا لأفعال نظام الاحتلال والفصل العنصريّ الاسرائيليّ ومنها الاعتقالات والتعذيب والتجويع في المعتقلات التي أشرف عليها في جنوب لبنان. في مقابل ذلك -أحبَّ القارئ أم لم يحِبّ - استطاعت حركات مقاومة إسرائيل منذ الثمانينات وحتّى عام 2000، طرد الاحتلال بإذلال من جنوب لبنان؛ ثمّ استطاعت سحق محاولته غزو الجنوب مرّة أخرى عام 2006 وسط هلع حكومات الغرب، ومتخاذليّ الداخل، ومطبّعي الخارج من ديكتاتوريّ الغرب في العالم العربيّ. يومُ الأرض الفلسطينيّة، هو يوم الأرض اللبنانيّة، ويوم كلّ أرض يريد شعبها أن يخلص لأخلاقه الفطريّة، ولإيمانه بأنّ وحدها العدالة تلد السلام الذي للحياة، وليس «سلام» السجون الذي يريده نظام الفصل العنصريّ للفلسطينيّين وتريده الأنظمة العربيّة لشعوبها. الحرّية الأخيرة على هذه الأرض هي تلك التي تحرّرنا من كلّ سجنٍ لكي نتمكّن من الانطلاق بكرامتنا الإنسانيّة إلى الفِعل والمشاركة. الوسائل إلى تلك الحرّية تختلف، وتتكامل، وهي لا تُرتَجل وإنّما تحتاج إلى علمٍ كبيرٍ، وإيمانٍ أكبر بالحقّ وبالتمسّك بفكرة تقديس حياة الإنسان، حتّى ولو دفع إنسانٌ حياته بحرّيةٍ ثمنًا لحياةِ وكرامةِ وحرّيةِ آخرين. هكذا حرّية هي ترجمة للحرّية الأخيرة التي تكمن في المحبّة، والتي كم يتمنّى الإنسان أن يعيشها بسلام دون عنف، ولكنّ العالم، كما هو، قد يدفع المسالمين إلى استخدام العنف تمسّكًا بالدفاع عن المظلومين، ودرءًا لشرّ القمع والاستغلال الأعظم من شرّ ردّة فعل عنفيّة ينبغي ضبطها وتوجيهها. الفلسطينيون هم أصحاب الحقّ في فلسطين. هذه الأرض لنا، لنا جميعًا، ولكن لن يعطينا حقّنا فيها الظالمون، علينا أن نكتسب هذا الحقّ اكتسابًا، "فما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا"، كما يقول أحمد شوقي. أيا خديجة! افتحي الباب. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |