خريستو المرّ
الاثنين٢ كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٣ الفرح ليس شيئا يُمتَلَك، ولا هو موجود في مكان أو في وقت محدّد، الفرح خبرة، ولهذا لا يتحقّق خارج الإنسان، بل داخله. في العمق لا أحد يمكنه أن يكون معزولا بشكل مطلق، ولهذا نحن مدفوعون أن نكون مع آخرين، أن نكون في معيّة. القصّة كلّها هو في نوع تلك المعيّة: هل هي تحفظ وتحترم فرادة كلّ إنسان أم تحاول إلغاءها؟ العلاقات التي تحاول إلغاءها سمّيناها قمعًا أو تسلّطًا، وتلك التي تحترمها سمّيناها محبّة، وينبع عن هذه الأخيرة، تلقائيّا وبشكل عفويّ، تعاطفٌ مع الآخر يأبه لمصيره، تعاطفٌ يهتمّ ولهذا يشعر بالمسؤوليّة، ولكن يحترم فيترك مساحة لإرادة الآخر حتّى لا يتحوّل الاهتمام سلاسل. وفي المسير يحاول المتعاطفُ أن يفهم لكي يكون التعاطف هادفًا من أجل خدمة حياة الآخر ولا يتوقّف عند العاطفة، وهذه قد تتحوّل إلى مرآة يتأمّل فيها المتعاطف نفسه عوض أن يخدم الحياة في الآخر. خبرة المحبّة هي خبرة لقاء مفرح ومحيي، خبرة نحن لا تلغي أنا، ولا أنت، ولا هو، ولا هي؛ خبرةٌ تتعاطف دون أن تهيمن، ولهذا هي مصلوبة على حرّية الآخر المسؤول أن يحدّد ما يريد، وأن يسير مساره الخاص في الحياة، لكي يحيا حياته التي يغيّرها بقراراته كما تغيّره. أقول أنّ محبّة آخر هي خبرة لقاء مصلوبة لأنّ حرّية الآخر تخطئ ولذا تؤذي أحيانًا. ومن هنا خبرة اللقاء مجبولة دائما بالألم لأنّنا جميعا نتعرّض للأذى في الحياة وكذلك قد نؤذي أنفسنا فيتألّم الذين يحبّونا (بالطبع حين تكون أخطاء الآخر مدمرّة لنا فالمحبّة تقتضي أن نفهم أنّ لا لقاء ممكن وأنّ محبّة الذات تقتضي أن نحميها وأن نترك. وعندها الترك لا البقاء هو تعبير عن المحبّة) المحبّة والفرح لا ينفيان الألم، هما ينفيان الجحيم. الجحيم غير الألم، الجحيم هو نفي المحبّة، أمّا المحبّة فمبلولة بالألم لأوجاع الآخر أقلّه. ظنّي أنّنا في الملكوت سنعرف ذاك الألم، ألم المحبّة: كيف لإنسان في الملكوت ألّا يتألّم أنّ إنسانًا آخر في الجحيم؟ ظنّي أنّ الله أيضًا سيتألّم هذا الألم إن لم ينضمّ الكلّ إلى حفل اللقاء الأبديّ المضيء. الجحيم عكس المحبّة، أي هي قائمة في العزلة. العزلة هي عكس اللقاء وليست عكس الوحدة. الوحدة هي علامة أنّ الإنسان هو ذاته وليس أحدًا آخر، أي ناتج عن المسافة التي لا تُردَم بشكل كامل بين أنا وأنت وأنتم. الوحدة بركة لأنّها علامة وجود الإنسان الفريد. لهذا لحظات التأمّل مهمّة وجميلة ولا يهرب منها إلّا من يهرب من ذاته، وكلّنا يفعل ذلك أحيانًا. في حديثنا لحفل رأس السنة موقعه. لا أميل إلى تتفيه الاحتفالات حتّى الأكثرها «وثنيّة»، ولا أميل إلى البذخ. الاحتفالات معانٍ. حفل رأس السنة رمز، هو رمز شوقنا إلى اللقاء، إلى فرحه الذي يؤجّج فينا الحياة دائمًا. هذا إن رأيناه يصالحنا مع رغبتنا بالاحتفال. الرمز عادة ما يشير ولا يحقّق. ما بعد عيد رأس السنة وحفلها لا أعتقد كالمعتقدين أنّنا علينا الآن أن نعود إلى عاديّات الأيّام، بعد حفل رأس السنة يبقى الرمز قائما كالسؤال، إن رأيناه، إن تأمّلنا في وحدتنا، الرمز يسائلنا: هل نتابع مسيرة حياتنا لنتقدّم في تحقيق المرموز إليه بسعينا إلى تحقيق اللقاء في حياتنا، فنفرح ونتألّم كوننا بشرًا حقيقيّين؟ أم نندفع نحو الجحيم بإدارة ظهرنا للّقاء؟ جواب هذا السؤال هو جواب الحياة، وهو بيننا أيدينا كلّ لحظة إلى أن تحين تلك اللحظة التي نغمض فيها أعيينا لنفتحها على الأبديّة، بعدها لا يبقى سوى الرجاء. أمّا اليوم، فاليوم يمكنه أن يكون عيدًا يحقّق فيه كلّ واحد منّا رمز حفل رأس السنة، وكلّ حفل، في حياته. سأنهض الآن عن حاسوبي، زوجتي تستيقظ والمرموز إليه يشعّ في وجهه Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |