الأحد ٢ أب/أغسطس ٢٠٢٠
خريستو المرّ لسنوات نلاحظ في الحياة الكنسيّة: إهمال قضايا الناس، مصادقة المسؤولين الكنسيّين للسياسيّين الفاسدين، تعيينات أسقفيّة على قاعدة الخضوع المطلق؛ تسلّط متنامٍ لمطارنة وأساقفة على الكهنة (مساكين الكهنة)؛ إرشادٌ "روحيّ" قائم على الخضوع المطلق والخلط بين الإيمان والتصديق بالخوارق؛ حروبٌ وخراب اقتصاديّ يقابله "قياديات" تتوسّل في مواجهتها للواقع الكلامَ المنمَّق؛ مناوراتٌ دعائيّة كنسيّة للبس لباس العصريّة بقيت فارغة من المضمون؛ تفشّي تربية تبخّس من قيمة العقل وتضعه في مواجهة مع "الروح"؛ أساتذة تمّ توقيفهم عن العمل في الجامعة الأرثوذكسيّة الوحيدة بألف تسويف وكذبة؛ أساتذة استقالوا من نفس الجامعة لأنّ النظام المتحّكم بها لم يترك لهم مكانا للعمل باستقلاليّة وحرّية وكرامة (هل أخبركم عن عميد أبلغتني أستاذة أنّه حاول تحطيم أعصاب ثمّ سرق بحثها، وعن آخر ضغط على أستاذ مادّيًا لكي يقدّم الأستاذ فروض الطاعة؟ الاثنان استقالا ويعملان خارج لبنان الآن). إنّ انفصال المسؤولين الكنسيّين عن واقع رعاياهم يتجلّى بمظاهر كثيرة منها ضربهم بمشاعر الناس عرض الحائط، والمثل الأخير أتى منذ أيّام من دمشق: إنسانٌ رحل بعدما التقط عدوى كورونا فلم يُصلِّ عليه كاهنٌ يومَ دفنه، وتنصّل الأسقف المسؤول من مسؤوليّته. وفوق كلّ ذلك يريد اللامسؤولون الكنسيّون ألاّ يتكلّم أحد بالموضوع. أن يحدث كلّ ما يحدث فوق أمرٌ لا يشكّل فضائح للكنيسة بشيء، ولكن أن تنتقد هذا الخراب العميم فهو يفضح الكنيسة. أن يُسحَقَ الناس دون أن يعلم أحد فهذا ليس بالفضيحة، أمّا أن تقف إلى جانب المسحوقين فهذا فضيحة. عند كلّ محاولة علنيّة، لنقد الواقع الذي وصفناه فوق، تخرج الأصوات من هنا وهناك لإسكات الجهة الناقدة، أصوات تريد للجميع أن يصمتوا، وبعضها الكهنوتيّ لا يريد للناس أن يتفوّهوا سوى بآيات الشكر والطاعة، و"الإخلاص" للكنيسة (كأنّ النقد هو ضدّ الكنيسة وليس نقدًا لتصرّفات محدّدة فيها). هذه الأصوات الكهنوتيّة لا تحترم مشاعر الناس ولا أمانهم الاجتماعيّ، بل لا مانع لديها من الضغط المعنويّ والمادّي على الأضعف: تبدأ بالابتزاز العاطفيّ بالإشادة بأخلاق الناقد وأنّ ما كتبه لا يليق به؛ لتنتقل بالضغط "اللاهوتيّ" حول ضرورة الأخوّة والمحبّة والاحترام؛ ثمّ تنتقل في اللاهوت إلى مستوى آخر من النفاق بكلام حول "الطاعة" والتي تعني في أذهانهم الخضوع المطلق الأعمى؛ وقد يقدّمون نصيحة "لوجه الله"؛ ليصلوا إلى التهديد الصريح عندما يكون الكاتب كاهنا تحت رحمة مطران، أو يعمل في مركز عمل أرثوذكسيّ. لا أعرف تصرّفا شبيها بذلك إلاّ تصرّف المافيات. في الماضي، هذا الذهن المافياويّ في الكنيسة حاول طرد كاهن نقديّ يعمل في جامعة أرثوذكسيّة بحجّة أنّه كان يعمل بدوام كامل ككاهن! هذا الفكر المتسلّط المسلّح بالتصرّف المافياوي لا يسعى لأقلّ من الخضوع المطلق، مافيويّون بلباس رجال دين يريدون ألاّ يوجّه لهم أيّ نقد، ويعتبرون أنفسهم حصرًا الكنيسة (بأل التعريف). ما يميّزهم عن المافيا أنّهم أسوأ منها، فالمافيا صريحة بكونها تعمل للسلطة والمال أمّا هؤلاء فيغطّون مسعى السلطة باللباس الكهنوتيّ والكلام اللاهوتيّ، ويحاولون أن يُتَفّهوا كلّ نقد على أنّه كلام ولغو. من وسائل الضغط المعتمدة لإسكات النقد، أنّه علينا ألاّ ننشر الغسيل الوسخ، وأن نحلّ الموضوع في المجالس الخاصة مع المعنيّين، وألاّ يتفرّد الكاتب في رأيه لأنّ في ذلك كبرياء. لن أناقش كلّ نقطة اليوم، ولكن لو كنّا موجودين أيّام يسوع عندما وقف وقال علانيةً: "ويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون! لأنّكم تُغلقون ملكوت السماوات قدّام الناس، فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الدّاخلين يدخلون"؛ "يا أولاد الأفاعي" إنّكم "تأكلون بيوت الأرامل، وتطيلون الصلوات"؛ "أيّها القادة العميان الذين يصفّون عن البعوضة ويبلعون الجمل"؛ "ويلٌ لكم لأنّكم تركتم الحقّ والرحمة والإيمان"، فماذا كنّا سنفعل؟ هل كنّا سنواجه يسوع بتعابير مثل: "لا تنشر غسيلنا الوسخ"، "دع المعنيّين يحلّون الموضوع في المجالس الخاصة" و"ما هذا الكبرياء"؟ على الأرجح نعم، كنّا لنفعل ذلك. لأنّ الحقيقة دائما محرجة وصعبة، والإنسان يفضّل ألف مرّة أن يبقى في الوهم الذي لا يتطلّب تغييرا ولا جهدا ولا انقطاعات عن دفء القطيع، والوحدة أحيانًا. من يعتقد أنّ حلَّ الأمور يجب أن يتمّ من قبل "المعنيين"، لا يعتبر نفسه معنيّا بأمور الكنيسة، وهذا غير مقبول؛ كما أنّ إخفاء الحقائق عن الناس يساهم في بقائهم في الجهل والاستكانة، عوض معرفتهم لنور الحقيقة التي تسمح بالوقوف إلى جانب الحقّ الذي يحرّر، يحرّر على الأقلّ الواقف إلى جانبه من العبوديّة لإنسان. "لقد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس"، قال بولس. وفي هذا الزمن، زمننا، العلنيّة أمر ضروريّ لدفع التفكير والتنوير والتحرّر بضوء الحقيقة، عوض الجهل والصمت والتربية على الغنميّة. وجه الشبه بين نظام المافيا السياسيّة وبين العمل الكنسيّ سيزول، والعلنيّة ستساهم في إزالته. لن يُظلم إنسان دون أن نقف إلى جانبه، فهناك يسوع وهناك تكون الكنيسة جسد يسوع، هناك في وجه المظلوم وليس في مكان آخر. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |