خريستو المرّ
الثلاثاء ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر 2020 من هو يهوذا الإسخريوطيّ؟ التفاسير الحديثة تعتمد على لقب "الإسخريوطيّ" وأنّ كلمة «إسخريوط» تأتي من كلمة خنجر، لترجّح بأنّ يهوذا كان من جماعة «الخنجريّين»، جماعة «الغُيُر» التي كانت تقوم بالاغتيالات بواسطة الخناجر، للتخلّص من الحكم الرومانيّ والمتعاملين معه. كبقيّة التلاميذ، لحق يهوذا بيسوع وتكشّفت له شخصيّة المعلّم شيئا فشيئا. اعتقد التلاميذ أنّ يسوع هو المسيح الـمُنتَظَر؛ وفي ذهنيّة تلك الأيّام ذلك عنى شخصًا مرسلًا من الله ليقيم حكما أرضيّا عادلاً. لهذا، انتظر التلاميذ أن يقوم يسوع بثورة ليستلم الحكم بالقوّة، وتجادلوا بينهم حول المراكز التي سيتقاسمونها. الأرجح أنّ يهوذا خان يسوع لما اتّضح له أنّ هذا الـ«يسوع» لن يقيم الثورة التي ينتظرها، لن يحقّق له أحلامه، بل كان يقول لهم أنّه سيموت قريبًا. خيانة يهوذا أتت على خلفيّة «محبّةٍ» خائبة: أمل وهميّ بمحبوب سيحقّق الأماني الذاتيّة كلّها، تبعته خيبةٌ منه، فكانت الخيانة. لكنّ يهوذا هو "أحد الاثني عشر"، وتلميذ دعا يسوع "يا سيّدي" وقبّله تعبيرًا عن مودّة ووحدة حال واحترام للمعلّم. علاقة التلميذ بالمعلّم انحرفت تماماً بالنسبة ليهوذا، ولكنّها أيضاً انحرفت بالنسبة للتلامذة الباقين، فهؤلاء عوض أن يتبعوا معلّمهم، هربوا. يهوذا حلم بوطن قوميّ، بقوّة عسكريّة وسؤدد؛ وتلامذةٌ كيعقوب ويوحنّا حلموا بالسلطة وتقاسم النفوذ في مملكة تخيّلوها ليسوع (مرقس ١٠: ٣٧). لكنّ يهوذا ليس شخصيّة ماضية فحسب، يهوذا اليوم يرتسم خَطرًا في كلّ باحث عن كنيسة لقومه هو، عن مسيح قوميّ أو مسيح للمسيحيّين فقط، أو لطائفتهم فقط، هو قابع في كلّ باحث عن مسيح لا يتقاسمه مع أحد. الأرثوذكس في اليونان وفي روسيّا الذين يماهون بين قوميّتهم اليونانيّة أو الروسيّة وبين الكنيسة، يرسمون لنا في تاريخنا وجه يهوذا، الوجه الذي يرغب بالاستيلاء على المسيح في حدود قومه. والأرثوذكس في القسطنطينيّة (إسطنبول) الذين يصارعون الكنائس الأرثوذكسيّة «الشقيقة» الأخرى بابتكار منصب سلطة أعلى بينها، يرسمون وجه التلامذة الذين حلموا في السلطة عن يمين ويسار يسوع. لكن أقرب من ذلك، في أنطاكية، كلّ محاولة سياسيّة أو دينيّة لتقزيم الكنيسة في حدود وطن سياسيّ، ترسم ملامح يهوذا في قلب الكنيسة؛ وكلّ محاولة «أخويّة» لنصب سلطة عليا يخضع لها الناس في الكنيسة ترسم صورة التلاميذ الذين حلموا بالسلطة. لكنّ محاولات ابتكار سلطة عليا غير سلطة يسوع الخادمة، ليست فقط تجربة القيادات الكنسيّة، وإنّما نراها أيضًا تجربة قائمة في المجموعات الأصوليّة التي تبتكر «منصب» حماية الإيمان القويم وتستولي عليه ثمّ ترمي تُهَمَ الهرطقة يُمنةً ويُسرةً على كلّ مَن خالفها قراءتها المتزمّتة للإيمان والتقليد. محاولات ارتكاب القتل لا تنحصر في محاولات قتل الأجساد، هناك محاولة للقتل في كلّ استعلاء، وهي محاولة مُدانة حتّى ولو كنّا نعرف أنّ كلّ استعلاء يعكس في العمق شعورًا بالنقص والهزيمة. ليس يهوذا الإسخريوطيّ فردًا من الماضي فحسب، إنّه جحفلٌ من الأوهام في جسد الكنيسة كجماعة أرضيّة، لا يُخرِج الجحفلَ إلاّ المسيح المنتصر على الموت. الصراع لا بدّ منه في الكنيسة، ولكن لا هويّة في الكنيسة سوى للإخوّة، كلّ مسعى يخرج عن مسعى الخدمة الأخويّة يَنتجُ عن «يهوذا»، عن رغبة بالملكوت ضائعة عن هدفها، فغرقت في التهام ذاتها والآخرين. بعد أوهام السلطة، والهروب، ونكران يسوع، نَقّى التلامذة إيمانهم وغيّروا طريقة حياتهم، فأحبّوا المسيح والناس وخدموهم حتّى الموت. وحدهُ الحبُّ يُتَلْمِذ، والـمُحبُّ مصلوبٌ كلّ لحظةٍ، فالحبّ صعبٌ والخيانة بِقُبلةٍ هي النصيبُ الدائم للحقّ الوديع الشاهد. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |