خريستو المرّ
الثلاثاء ٢٦ كانون ثاني/يناير ٢٠٢١ لا يمرّ يوم إلاّ ونسمع فيه عن مقتل أحد الناس بكورونا. هذا الواقع ليس إلاّ ظاهرة، وعلينا التفكير بأسبابها. إنّ الموت الذي يحدث ليس قضاءً وقدرًا لا مفرّ منه ولا مهرب؛ وأسبابه الأساس لا علاقة لها بالفيروس. عندما يؤذي شخص آخر دون قصدٍ، بشكلٍ يؤدّي إلى وفاته، فإننا ندعو ذلك بالقتل عن طريق الخطأ؛ ولكن عندما يعلم المعتدي مُسبقاً بأن الإيذاء هذا سيؤدّي إلى الموت ويقوم به، فإننا ندعو ذلك بالقتل المتعمّد. الأمر سيّان، إن كان المؤذي شخصًا أو جماعةً أو دولةً أو مجتمعًا، فعندما يضع نظامُ الحُكم الملايين من السكّان (مواطنين ولاجئين) في ظروف موضوعيّة تؤدّي إلى موتهم، فهذا الموت لا يعود مجرّد وفاةً طبيعيّة وإنّما يُضحي مماثلاً للموت الناتج عن إطلاق الرصاص عليهم، أي قتلاً. وعندما يَحرم نظامُ الحُكم الملايين من ضرورات الحياة، ويجبرهم من خلال القانون (الحكومة، الجيش، وقوى الأمن) والميليشيات الطائفيّة والزعماتيّة، والمؤسّسات الدستوريّة، والإعلام الخبيث، على البقاء في ظروف موضوعيّة من المعروف أنّها ستؤدّي إلى موت الآلاف بشكل حتميّ بسبب قلّة العناية الصحّية (أو قلّة الغذاء والدخل)، فإنّ ذلك النظام يرتكب القتلَ العمدَ، تماماً كما يفعل أيّ فرد يطلق النار على الناس وهو عالم بأنّ الكثيرون منهم سيقتلون. لكنّ المذبحة الجماعيّة التي ترتكبها الأنظمة مقنّعة وخبيثة، لأنّ أحداً لا يرى قاتلاً واحدًا ملموسًا يحمل سلاحًا اعتياديًّا يقوم باعتداء، ولأنّ القتل لا يحدث بفعل تعدٍّ واضح بل بالامتناع عن الفعلِ (الامتناع عن تقديم الاستشفاء، الدواء، الغذاء...) فيبدو في الظاهر وكأنّ موتَ الضحايا «طبيعيّ»، نتيجة مرضٍ، أو فيروس. إنّ الضحايا الذين يقعون اليوم بسبب فيروس كورونا هم ضحايا جريمة قتل عمدِ، ضحيّة مذبحةٍ موصوفةٍ ناتجة عن إهمال النظام للسكّان. إنّ النظام اللبنانيّ (وكلّ نظام آخر شبيه له بالأفعال وليس بالشكل) يرتكب مذبحة بحقّ سكّان البلاد، مواطنين ولاجئين. نعم هناك مسؤوليّة لمن كان مستهترًا عن العناية بذاته وغيره فانكبّ على السهر والحفلات والمطاعم؛ لكنّ هؤلاء قلّة، فالأكثرية تريد أن تعمل لقوتها ولا دعم حكوميّ لها لكي تبقى في بيوتها (مَنْعُ الناس من الخروج بينما لا يملكون ما يعيلون به أنفسهم هو جريمة). وهناك أيضًا جهل بعض رجال الدين، والبارانويا التي يعيشون، وقلّة شوراهم مع المختصّين، والتي جعلتهم يقولون ويكتبون ليس فقط بأنّ الفيروس مؤامرة شيطانيّة، بل بأنّ اللقاح نفسه هو مؤامرة، وبأنّ الطقوس تحميهم من الإصابة بالفيروس؛ هذا أيضًا جريمة. إنّ النظام القائم بمؤسّساته ومسؤوليه وزعاماته، وموتوري الأديان، والمسؤولون الدينيّون الصامتون في عجزٍ فادحٍ عن القيادة، كلّ هؤلاء يشتركون في المذبحة. وعلينا أن نتذكّر، كي لا نموت أيضا مستقبلًا من الجهل، بأنّ رجال الدين المتواطئين مع رجالات الدولة (المجرمين لتسبّبهم بهذه المذبحة الجماعيّة)، هم شركاء في هذه المذبحة الجماعيّة. فلنتذكّر كيف هبّت وتهبّ القيادات الدينيّة (والإعلاميّة) من الطوائف جميعًا للدفاع عن المجرمين الذين ينهبون السكّان حتّى اليوم، ويتسبّبون بهذه المذبحة الجماعيّة؟ فلنتذكّر كيف هبّت البطاركة والمطارنة من الطوائف جميعا في اجتماع بكركي العام الماضي، لتخدير الناس أثناء انتفاضتهم الشعبيّة ودعوتهم إلى السكينة. فلنتذكّر الزعماء الطائفيّين الذين حاصروا الناس المنتفضة إمّا بالركوب على موجة غضبهم وإمّا بتخوينهم ودعوتهم إلى متابعة الحياة كما كانت. هؤلاء جميعا مشتركون في المذبحة القائمة، الجليّة، المتخفّية بغطاء «الموت الطبيعيّ». معظم الناس تموت اليوم من مضاعفات النظام الطائفيّ وليس من مضاعفات الفيروس، ولا نجاة لا اليوم ولا في المستقبل من المزيد من المذابح المتعدّدة الأشكال إلاّ بتأسيس دولة علمانيّة (أي لا طائفيّة) قائمة على صخرة العدالة الاجتماعيّة. أي بكلام آخر لاهوتيّ: لا خلاص إلاّ بتأسيس دولة يرى فيها الناس بعضهم أخوة لبعضهم البعض، مواطنون ومواطنات في دولتهم، ولكن محبّون للبشر إخوتهم في العالم أجمع، متعاونين معهم «على البرّ والإحسان» لا على الظلم والعدوان؛ «مستبقين الخيرات» في دولةٍ يشترك فيها الناس بخيرات الأرض التي وهبها الله لكلّ الناس، من "رصيف البحر" إلى آخر ثروة طبيعيّة وإنسانيّة، بحيث «يكون كلّ شيء مشتركا بينهم» (كما يرد حرفيًّا في الانجيل).
0 Comments
Leave a Reply. |
الكاتبخريستو المر الأرشيف
November 2022
Categories |