خريستو المرّ
الأحد ٢٤ نيسان / أبريل ٢٠٢٢ في رمضانَ أم في رحلةِ الفصح، يجتاز الإنسان الصومَ ساهرًا سهرةَ العشق. ينتظر أن يطلَّ الحبُّ في وجه الحبيب حين يشاءُ. فيتسلّق جدائل السماء، ليكونَ مساءٌ ويكون صباحٌ جديدٌ. ويُعيدُ العاشقُ انتظاره فهو لا يكتفي، وكيف يكتفي واللقاءُ يطفئ الهوى ليشعلَه في الوريد؟ كفى أنّك الوجودُ، ولذلك لا شيءَ باطلٌ ممّا هو موجود. أحبُّ هذا العالم لأنّني أحبُّك، وأحبُّك لأنّني أحبُّ هذا العالم، بما فيه. كلّ شيءٍ في الوجود يُخبِرُ الدهشةَ بالكلماتِ التي أنتَ خبّأتَها في كلّ شيءٍ، لتجذبنا جميعًا إليك. أنعِمْ عليّ أن أعرف وجهكَ في الأفراح كما في الأوجاع، في النجاح وفي الإخفاق، ذاك الذي يدعوه الإيمان نجاحًا لم يحصلْ بعد. خُذ بيدي حين أرى الموتَ فلا شيءَ مُحتَمَلٌ دونَكَ. كُنْ أنتَ نصيرَ المحبّين الضعفاء الذين لا قوّة لهم سوى وجوههم الجميلة؛ تلك التي تلفحُها شمسُ الصدقِ، وهواءُ الروح الذي يلاعبُ الأطفالَ والألوانَ فوق أجنحةِ الفراشات. كن أنت نصيرهم، واجعلني نصيرهم معك. أنت الذي أنتَ، وأنا السائلُ بِبابِك. ألوذُ بالفقراء الذين إلى جانبك، وأشتهي سفينةَ المساكين. أولئك الذين يئنّون ويتوقون إلى جودِك، إلى لانهائيّة الأفقِ في وجهكَ. أولئك الذين يرجون أن تمدَّهم بالقوّةِ ليقفوا إلى جانب الحياةِ، يشرَبون منها ويُعطون أولادك الضائعين. ألوذ بالفقراء إلى جانبكَ. ألوذ بالسفن الغارقة في بحار المجرمين. من أجل جمالك أتأمّل الجمالَ وسط القبح، علَّ القبحُ يتراجعُ من شعاعكَ، ويضمرُ الأخذُ فينا بالحبّ فيك. مع العاصين والمقصّرين، أتأمّل وجهكَ المضيءَ بالحبِّ والنصرِ. معهم أدعو أن نشارك مسيحك فتحَ أبواب الجحيم أمام الحبّ والعدل لتمّحي عتمةُ الفتّاكين. أدعو أن أنذر لك يومي، وأيمِّمُ صوب وجهك في وجوه المسحوقين. لن أكلّم أُنسيًّا إلّا بالحقّ، أو ما بدا لي منه، علّني لا أُحرمُ من أن ألدَ حبَّك في هذا العالم، بالكلام وبالفعل، وبالصمت المنقذ من فراغ ضجيج المضجّين. رأيتُ الصومَ مجيئًا إليك ومشاركةً للفقراء، واليوم الفصحُ فِطرٌ، استقبالٌ للحياة التي منكَ، وعملٌ دؤوبٌ لتشعَّ أنتَ عدالةً ومشاركةً في أيّام المهمّشين. أسْعِفْني، حتّى لا يُطفئ قلبيَ بريقٌ جامحٌ يدعوه الفتّاكون أسماءً كثيرة، فماذا ينفع البريقُ والفقراء يسيرون وَهُمْ أحياءُ الى غرقهم صارخين؟ لا يُنتج سحقُ الفقراء إلّا الدمارَ الكبير، ولا يرى هذا مَن اختال بنفسه؛ إذ ينسى المتغطرسون أنّ هناك مالكٌ وحيدٌ للمُلْكِ، وأنّ الموت ينزع المــُلك عن المتكبّرين، ويحمل العراةَ الضعفاءَ إلى حضنِ ربّهم شهداء يُرزقون. عَرِّفْنا، يا أنتَ السماويّ-الأرضيّ، أنّنا عائلةٌ حتّى نجتمعَ على الظلّام ونفتح فيه كوّةً للعدلِ، من أجل عيالكَ المرتجفين. قد نخاف، فخُذْ بيدنا أيّها القائمُ، حتّى نتأمّل الوجهَ القيّوم. بوجهك نتجاوز العبوديّةَ، والعبوديّة الكبرى هي مخافةُ الموت، والتراجعُ عن شهادةِ الضوءِ ليستيقظَ الفصحُ في لحم العالـَمين. أعطنا، يا أنت السّاكنُ كلّ ألمٍ، والعامل ُكي يبزغَ فيه الفجر، أن نُشعِلَ بشمسِ العدل هذا الظلام. أعطنا أن نُشَتِّت المتكبّرين، أن نُنزل المجرمين عن الكراسي، ونَرفع المتواضعين. أعطنا أن نُشبع الجياع بالخيرات، وأن نُرسل الأغنياء فارغين. فنكون على شبهك في عينيّ مريم. أعطنا يا الله أن توقظَنا إلى وجهك-الفصح، وتوقظَ الفصحَ فينا، لنعبر صحراء الظُلم ونتشارك فِطرَ الحقّ؛ علّنا نتناول كسرةً من ضياءٍ، مع أولادكَ في سفينة المساكين. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |