خريستو المرّ
الثلاثاء ٢ آب / أغسطس ٢٠٢٢ كلام البطريرك بشارة الراعي عن الامتناع عن تسمية الذين تعاملوا مع إسرائيل وأداروا معتقلاتها بأنّهم عملاء مثير أقلّه للعجب. إذ أنّ هؤلاء نكّلوا باللبنانيّين واللبنانيّات الذين كانوا تحت الاحتلال. قد لا يكون كلّ واحد منهم مسؤولًا، أو مسؤولًا بنفس الدرجة، وقد لا يكونوا وحدهم العملاء في هذا البلد، فتصرّفات بعض السياسيّين توحي بأنّهم عملاء: لـِمَ يصرّ البعض على نزع السلاح الوحيد الموجود، بينما لم تستطع ولا تستطيع بلادنا تسليح جيشها بشكل سليم، وبينما تعانق الدول العربيّة خيانة العدالة بالتطبيع مع اسرائيل التي تقتل الفلسطينيّين يوميّا والتي هدّدتنا وتهدّدنا، واخترقت وتخترق أجواءنا، وأقامت معتقلات تعذيب أهالينا في الثمانينات ومستعدّة لتقيمها في المستقبل، والتي تريد سرقة ثرواتنا النفطيّة علنًا؟ ثمّ أين هو تاريخ جرائم اسرائيل بحقّنا في كتب التاريخ؟ أين هو في إذاعاتنا؟ بلد مليء بالعملاء في الخفاء في كلّ مكان، والبطريرك يريد أن يحرّم استعمال الكلمة للعملاء في العلن، وهو الذي يحمي علنًا حاكم المصرف المركزي. هذا إنسان يداه ملوّثتان بما تلوّثت به يدي حاكم المركزي ويريد أن يحرّم ويحلّل بالعمالة! مهزلة كاملة. لو أنّ جارنا عبد الله أعطى رأيه بالعمالة لكان ذنبه أقلّ فهو ليس شريك في سياسات رياض سلامة وإنّما ينزف من مخالبها. الغفران في المسيحيّة لا يعني أن تترك الإنسان يفعل ما يشاء وألّا تحاسبه. هذه فكرة متداولة فقط عندما يكون المرتكِب والمجرم رجل دين من طائفتنا أو عندما لا نأبه لغيرنا ومصيره. فعندما صرخت مجموعات في الكنيستين الأرثوذكسيّة والمارونيّة حول ارتكابات بعض الكهنة والرهبان بحقّ الأولاد والناشئين، قالت العقول الخانعة أنّ المسيحيّة تطالبنا بالغفران، تكلّموا عن الخطيئة والغفران ليقولوا يجب ألّا نفعل شيئا بحقّ المرتكِبين. هذا تفكير يخالف المفهوم المسيحيّ للغفران. الغفران بين الناس هو القدرة بأن تفتح صفحة جديدة مع شخص عاد عن أخطائه ودفع ثمنها. أمّا الله فيغفر للجميع مَن تابوا، أي مَن أرادوا أن يعودوا عن ارتكاباتهم. الكنيسة لديها مجموعة قوانين داخليّة شائكة، لو أنّها تفكّر بأنّ الغفران هو ألّا تفعل شيئًا وألّا تحقّق عدالةً، لما كانت سنّت قوانينها الداخليّة. دَفْعُ المرتكب لثمن ارتكاباته هو جزءٌ أساس من إحقاق العدالة للضعيف الذي نحن ملزمون به مسيحيًّا. بالنسبة للعملاء الغفران يقتضي أن يعترفوا بعمالتهم، ومَن ارتكب يدفع ثمن ارتكاباته بحسب قوانين الدولة، وعندها للمجتمع أن يقبله. الكنيسة تقبله دائمًا، ليس لكي توافقه على جرائمه، وإنّما لتذكّره بأنّ جرائمه هي جرائم، وبأنّه قادر ومدعوّ على التراجع عنها والاعتراف بها، وأنّ جدّية التراجع تقتضي تحقيق العدالة للمظلوم، وبالتالي تقتضي أن يدفع الثمن. لقد قيل بحقّ أنّ الكنيسة هي كنيسة الخطأة الذين يتوبون. الجميع خطأة، ولكن ليس الجميع يتوبون، والكنيسة دورها التذكير بضرورة التوبة، أي بضرورة العودة إلى محبّة الله، ودورها أن ترعى تلك العودة بالدعوة لتحقيق العدالة التي تفترضها المحبّة كدليلٍ جدّيٍ وملموسٍ للعودة إلى الله. المطران والبطريرك عليهما تذكير المرتكبين بأنّ العمالة جريمة؛ ليس لأنّ المجتمع يقول ذلك، ولكن لأنّ العمالة تعني الاشتراك مع قاتل في سحق إنسان من أجل الفائدة الشخصيّة. وهنا تكمن خطيئة العمالة. المحبّة التي تغفر، تغفر لذاك الذي يعترف بجرائمه، والذي يريد أن يدفع ثمنها بطريقة تحقّق للمظلوم عدالة. لا يمكن العمل الصحيح للبطريرك بتبييض الجريمة والخطيئة وجعلهما «طبيعيّين»، و«حلالًا»، وإنّما أن يذكّر الناس بطرق التوبة: الاعتراف بالخطيئة والعودة عنها إلى الله، وترجمة تلك العودة بتحقيق العدالة للمظلوم. الفاجعة أنّ هذا بديهي، وأنّ بطريركًا احتاج لعلمانيّ أن يذكّره بالبديهيّات لتراجع إحساسه بضرورة العدالة. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |