خريستو المرّ
الثلاثاء ٨ آذار / مارس ٢٠٢١ عندما يكتب رجل عن المرأة هو أمام معضلة. كيف يمكنه أن يفهم من الداخل التهميش الأتوماتيكي الخفيّ الذي يقع على النساء حول العالم، بدءا من العائلة؟ لكن يمكنه على الأقلّ أن يلاحظ ظواهر اجتماعيّة، وأن يراجع نفسه ليرى إلى أيّ حدّ قد تعاطى تهميش المرأة أو استفاد منه. هناك استغلال اجتماعيّ-اقتصاديّ للمرأة أكثره شيوعًا وخفاء يكمن في ظاهرة تسليع المرأة (اعتبارها سلعة) وتشييئها (اعتبارها شيئًا) وهو ما يمكننا أن نراه في الإعلانات والأفلام. وهناك عنف ضدّ المرأة يمكن تصنيفه في خانة (١) عنف الشريك (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، قتل النساء)؛ (٢) العنف والمضايقات الجنسية (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، التحرش الجنسي غير المرغوب فيه، الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية)، (٣) الاتّجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسي)؛ (٤) تشويه الأعضاء التناسلية للإناث؛ (٥) زواج الأطفال. ولا تذكر الأمم المتّحدة أنّه حين يقتل الرجال بعضهم بعضًا أضحيات مجانيّة أمام إله المال والسلطة، تحتمل نساء المتحاربين النتائج الكارثيّة للحرب (تشريد، تمزّق، قلق، أقرباء مخطوفون...). إلّا أنّ العنف اليوميّ الذي يدخل في تفاصيل الحياة اليوميّة بحيث يصير جزءا عاديّا من الوجود هو عنف التهميش، وهو عنفٌ شائعٌ في مجتمعاتنا المفاخِرَةِ بأديانها والمتوهّمة أنّ ظواهر التديّن هي صنو الإيمان، ولكن شتّان مما بين الإيمان وما بين التديّن. القيادات السياسيّة تكاد تكون مكوّنة من الرجال بشكل كامل، القيادات الدينيّة وقيادات المؤسّسات الدينيّة محكومة من رجال، المرأة فيها في أفضل الأحيان تخدم الرجال، ليس المقصود أنّ الخدمة عيب أو لا قيمة لها، وإنّما أنّ تضييق أفق جنسٍ بشريّ كامل بنوعٍ محدّد من الأعمال يدلّ على حالة تهميش. يدخل الإنسان معهدًا لاهوتيًّا لبعض الكنائس في بلادنا فيكاد لا يرى فيه لاهوتيّة واحدة لا في مركز قياديّ ولا حتّى في مركز تعليميّ. نحن هنا حتّى لا نتكلّم عن كهنوت المرأة، بل عن أمرٍ من المفترض انّه لا خلاف حوله. حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة التي إليها أنتمي، لم تعرف عبر أكثر من سبعين سنة من تأسيسها امرأة واحد في رئاستها (هناك نساء في مراكز قياديّة، ولكن ليس في المركز التمثيليّ الأوّل للمؤسّسة، ما يشير إلى أنّ الذهنيّة البطريركيّة ما تزال فيها معشّشة). عندما يشيدُ مجتمعٌ ما -وخاصّة الرجال فيه- بالمرأة كأمّ ومربّية ومعلّمة، وغير ذلك، فهو بالفعل لا يريد أنها أن تنتعش وإنّما يريد أن يهمّشها. فهو يحدّد لها ما هو الأدوار التي يوافق الرجال أن تلعبها، هو يضع إطارًا لتقييد المرأة في صورة ما. لا نقول ذلك للتقليل من شأن دور الأم أو المربّية أو المعلّمة، وإنّما نقول أنّ اختصار هويّة المرأة بدورٍ أو أدوارٍ محدّدة هو محاولة تقييد لكيانها، وما تضخيمُ تلك الأدوار وتبجيلها المبالَغ فيه، إلّا لإخفاء حقيقةَ كونِ اختصارِ هويّة المرأة بتلك الأدوار فِعلُ تقييد لها. تضخيم أدوار محدّدة للمرأة هو وسيلةُ المجتمع الذكوريّ لإخفاء محاولته تقيّدها. إلى المرأتين اللتين ولدتاني في هذا العالم، أمّي التي ولدتني بجسدها وطيبتها، وزوجتي التي ولدتني بوجهها وكلماتها، أشكركما. أحبكما. أطلب منكما المغفرة. لا شكّ أنّي استفدت من ذكوريّة هذه المجتمعات التي انتميت إليها حول العالم، ولا شكّ أنّي أحيانا شاركتُ في الانتفاع من واقع مجتمعات تهمّشُ النساء، علمتُ أم لم أعلم. في اليوم العالميّ للنساء لربّما نهنّئ النساء في حياتنا كتعبير جميل عن المحبّة، ولكن الأهمّ أن نراجع أنفسنا نحن الرجال عن كلّ مشاركة في تهميشهنّ أو الاستفادة من تهميشهنّ، ونتوب عن التهميش بحقّهن أشاركنا به بالقول أو بالفعل، بمعرفة أم بدون معرفة. هي فترة بداية الصوم الكبير في الأرثوذكسيّة، ألا جعل الله هذه الفترة، لمن أراد، تمرينًا على العودة الكبيرة من شرذمة تهميش النساء إلى طريق حبّهنّ. وللنساء أقول، اتّحدن، لا تؤخذُ الحقوق ولا المواقع في الحياة إلّا عنوةً. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |