الخميس ٦ شباط/فبراير ٢٠٢٠
ضربوه وبصقوا عليه وشتموه وجرّحوه وعيّروه أنّه غريب. فعلوا ذلك كلّه بيسوع منذ ألفي عام وفعلوا ذلك بيسوع مجدّدا البارحة في جونيه، وفعلوا ذلك به وما زالوا يفعلون في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين ومصر وتونس والجزائر والبحرين والسعودية واليمن وليبيا، وغيرها من البلدان، كلّما ضربوا وعذّبوا وشتموا وجرّحوا وعيّروا إنسانًا، وكلّما ظلموا وغرّبوا وهجّروا وجهًا. كيف يمكن لإنسان أن يُضرب و/أو يُذلّ إنسان؟ هذا أمر وحشيّ وحشيّ. وكم هي نذالة إنسان يمارس هكذا وحشيّة وهو يتنكّر بلقب «مسيحيّ» أو «مسيحيّة»، وهو يتسمّى بالناصريّ زورًا وبُهتانًا! كلّ الذين يضربون ويذلّون ويهمّشون ويقهرون ويظلمون إنسانًا هم يفعلون ذلك بيسوع شخصيَّا. والأنجسُ بين هؤلاء المتوحّشين هم مَن تسمّوا على اسم المسيح. «لو كنتم عميانا لما كان عليكم خطيئة. ولكنكم تقولون الآن: إننا نبصر فخطيئتكم ثابتة». والمسيح قال بوضوح ودون مواربة أو مدعاة لسوء فهم: أنا والمهمّشين واحد، كلّ سوء فعلتموه بهؤلاء بي فعلتموه، وكلّ خير فعلتموه بهؤلاء فبي فعلتموه، وكلّ خير كان باستطاعتكم أن تفعلوه لهؤلاء ولم تفعلوه فبي لم تفعلوه: إنّ أفعالكم واحجامكم عن الفعل سيفرزكم منذ اليوم إمّا من عداد متذوّقي الملكوت أو متذوّقي الجحيم. هل من الضروري تسمية الأحزاب التي تنكّرت بالمسيحيّة لترتكب مجازر وتنكّل وتنهب في الحرب وبعد الحرب؟ إنّ أيّ تخفيف لفداحة ارتكابات أحزاب سياسيّة وقيادات سياسيّة، باسم ضرورة التكتّل الطائفيّ، وباسم العصبيّة الطائفيّة، هو ذهاب إلى ما يناهض الإنجيل ورسالة يسوع المسيح، هو السير في موكبٍ يعلّق يسوع على الصليب. الفاشيّة لا تأتي مرّة واحدة، الجريمة لا تظهر بغتة. إنّها تتسرّب قليلاً قليلاً في ممارسات «صغيرة»، «هامشيّة» ليست بذي «شأن»، ممارسات يساوم فيها المرء مع احتجاج ضميره، إلى أن ينتهي بأن يخدّره أمام الممارسات «الكبيرة» متحجّجًا بأسباب «استثنائيّة» تهدّد «الوجود» الذي يدعى زورا بالـ«وجود المسيحي» (أو «الإسلامي» لا فرق). يكون الوجود مسيحيّا فعلاً عندما يتحوّل المجتمع إلى مجتمع عدالة للجميع، إلى مجتمع مساواة وإخاء وشيء ابتكره المسيحيّون الأوائل يُدعى مشاركة، أي بلغة اليوم يُدعى عدالة اجتماعيّة: كلّ بحسب ما يحتاج وليس بحسب ما يعمل. الإنجيل يُخبر - وليس مرتزقة الاقتصاد الحرّ المتنكّرين بالأديان والعلوم - ويقول عن المسيحيين الأوائل أنّ «كلّ شيء كان مشتركا بينهم». هذا الابتكار هو ترجمةٌ لمحبّةِ المسيحيين ليسوع، في الاجتماع والسياسة والاقتصاد، إنّها ترجمةٌ تقصد بناء مجتمع مشاركة لا مجتمع أخذ ونهب وسلب و«شطارة؛ ترجمةٌ تريد بناء مجتمع الأنا والأنت، مجتمع الـ«نحن» وليس مجتمع الـ«أنا» المغلقة على نفسها. القيادات السياسيّة والأحزاب المتنكّرة بالمسيحيّة في بلادنا تخون المسيح كلّ يوم وكلّ ساعة وهي تلغو باسمه وتتقيّأ عنصريّة وتعصّبا وكذبا ونفاقا، مع الثورة وضدّها. ويتحالف معها القيادات الدينيّة المتنكّرة بالمسيحيّة والتي تتقيّأ مسرحيّات الكياسة واللياقة وتضجّ بممارسات القمع والحسد والخساسة. إنّ تناضح الذهنيّة السلطويّة بين المدى السياسيّ والكنسيّ ليس صدفة؛ بُنى الظلم والاستبداد لا تنتج سوى عبيد يرغبون باستعباد غيرهم. كتب مرّة راهب عميق في القرن الرابع هو أيفاغريوس "بعد الله، علينا أن نعتبر كلّ إنسان على أنّه الله نفسه"، وفي القرن الثالث ذكر آخر هو أقليمس الاسكندري «عندما تبصر أخاك تبصر إلهك»، هذا تراث لا يمكن أن يقتله أيّ نظام ولا أيّ حزب ولا أيّ سياسيّ. كلّ اعتداء جسديّ أو نفسيّ على ضعيف هو اعتداء على الله نفسه، الاعتداء البارحة في جونيه هو اعتداء على المسيح نفسه، وكلّ اعتداء على إنسان لا قوّة له هو اعتداء على يسوع. لقد رأينا هكذا اعتداءات من قبل وسنسهر كي لا نُسكِتَ احتجاجات ضميرنا، كي لا نتصالح مع هكذا أفعال من أيّة جهة أتت، خاصّة إن كانت تتنكّر بالمسيحيّة. كم هو حقير أن يسوّغ الإنسان لنفسه ولجماعته السياسيّة أو الدينيّة أو الوطنيّة كلّ شيء باسم مطلق أيّ شعار، مُستعبِداً نفسه لمشاعر بدائيّة تدفعه لتكتّل عصبيّ، يستقيل فيه من عقله. كلّ شعار يسقط أمام المسّ بالضعيف. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |