خريستو المرّ
الثلاثاء ١٨ أيّار/مايو ٢٠٢١ القلوب المجروحةُ بحبّ الإنسان لا تعرف انفصالا في الجغرافية، والقلوب الممتدّة بحبّ الناصريّ لا تعرف الحدود؛ فالحبّ واحد في الخبرة البشريّة، ولا يَخصُّ إنسانٌ حبَّه ببشر دون آخرين إلّا إذا كان قد التبست عليه خبرته، فَحَسِبَ عاطفته الفطريّة لجماعته حبًّا. أُحِبُّ الإنسان في لبنان، وأحبُّه في سوريا، وأحبّه في فلسطين، وأحبّه في كندا وفي كلّ هذه الأرض. لهذا كرِهَت نفسي أنظمةَ الظلم في كلّ بلد، وكان تأجيل التحرّر في كلّ أرض جلجلةً لسكّانِه ولمحبّيهم الذين غدت قلوبهم تشبه «قلب الله»، علموا أم لم يعلموا. يخدع الإنسان نفسه كي يُعَقلن ردّات فعله الشعوريّة المـُبغِضة ويبرّرها. تَحَجَّج المتحجّجون لعدم تضامنهم مع الإنسان الفلسطينيّ بأنّ منهم من ليسوا بالصالحين أو من ظَلَموا. نسوا أنّ يسوع قال أنّه «لا صالح إلاّ الله وحده». هو الضوء، وهو فينا، وأمّا نحن فكلّنا نحجب قلوبنا، عنه هو فينا، فيداخلنا العتم الكثير. والمسيحيّون يعرفون أنّ الكنيسة هي جماعة الخطأة الذين يتوبون، لذلك أشار يسوع إلى الطراوة ونبّه ألّا يحاول أحدٌ أن يمحو أحدًا بقلبٍ من حجر، وكذلك لا يرمي شعبٌ على شعب اتّهامًا ويستكبر. كلّ الشعوب فيها المضيء والمظلم. إن لم تقف مع المظلوم لم تكن مع نفسك، تغرّبت عنك، وإن أوغلتَ أضحيتَ لا-أنت، ويومًا ما ستبكي لأنّك نسيت طفولتك حين كان البشرُ لديك وجوهًا. لهذا ربّما قال يسوع بأنّ الملكوت هو لمن صار مثل الأطفال. يولدُ الإنسان على كثير من الرقّة والتعاطف، يتعلّم الحقد لاحقًا، ويموت عندها شيئا فشيئا، أمّا من يعود كالأطفال فيولد جديدًا، وهذه المرّة «يولد من فوق». يولد الإنسان من الرَحم ومن الرحمة لتصبح الأخوّة بلا حدود، ويصبحَ قادرًا على الحبّ، والحبّ فِعلٌ في الدنيا كي تصبحَ سماءً، أي مكانًا يحيا فيه الناس بعدلٍ وأخوّة. بعدما رأى المسيحيّون يسوعَ مُعلَّقا من قِبَلِ المستكبرين، باتوا حلفاءُ المقهورين في الأرض، أولئك الذين علّقهم المستكبرون على صليب الظلم اليوميّ. حين يصبح الإنسان مجروحًا مع المجروحين، ومُعتَقلًا مع المعتقلين، ومضروبًا مع المضروبين، ينخرطُ في ورشة تحرير البشريّة التي أطلقها يسوع يومًا ويتابعها مع كلّ أخواته وإخوته من الناس، أولئك الذي يناضلون في كلّ ساعةٍ لكي يغيب مساءٌ ويكون صباحٌ فتُخلَقُ الأرض من جديد بالحبّ والحرّية، بروح اللهِ الذي يرفّ على وجه القلب، لتخلع الأرض عنها الخراب والفراغ وتلبس النور فنحتفل بالدهشة. حدود القلب هي قلبُ المسيح، وذاك هو لا حدود، ولهذا مَن أحبّوا وكانوا مع المظلومين عرفوا الحياة بدايةَ حبٍّ مفتوحةٍ على بداية، على بدايات مُغَمَّسات بالسهر والعمل والإبداع، ومُعَطّرةٍ بالرجاء الذي لا يفتُر. قلوبنا وعقولنا، وأفعالُنا على تواضعها، هي مع الفلسطينيّات والفلسطينيّين العظماء بإضرابهم الكبير اليوم، والذين يصرخون «لا» للمحتلّ العنصريّ، ويدقّون باب الحرّية بقلوبٍ مضرّجة بالنضال والدم، محمّلة بالرغبة بالحياة، مدفوعة بذكرى سنواتٍ من القمع، معمّدةٍ بالحبّ، ومكلّلة بالشهادة. فلسطين ستلد نفسها حرّة من الفصل العنصريّ، وبلادنا ستطرد عنها المستبدّين، لنحيا معًا في الحرّية والكرامة دون حدود. أؤمن. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |