الإيمان، الأمل، والثورة أن يؤمن الإنسان هو أن يجرؤ، هو أن يطلب المستحيل وأن يعمل ضمن الواقع المتاح، وأن يدفع حدود الواقع إلى الأمام أبدًا.
أن يؤمن الإنسان هو أن يعمل ليصل الحبيب (أو المسيح)، وأن يأمل وصوله كلّ يوم، وفي نفس الوقت لا ييأس حين لا يصل. أن يؤمن الإنسان هو أن يحيا في تلك المساحة المضاءة بالصبح الآتي والمبلّلة بقسوة العتمة، وأن يزرع في قلب اليوم ذاك الغد الذي يأتي. أن يؤمن الإنسان هو أن يحمل الأمل الذي يتنفّس جُرأةَ، وينمو بالعمل، وأن يحمله بصبر دون كلل. أن يؤمن الإنسان هو أن يقرّر أنّه على هذه الأرض، وقبل أن يغادر، وبما أنّه سيغادر، يريد أن يحيا إلى المنتهى، لا أن يعيش فقط. والأمل هو ابن الإيمان، كما أنّ المحبّة هي ابنة الحرّية؛ والأمل والمحبّة جناحي الثورة، تحلّق بهما فوق التعب واليأس وتمتدّ بهما إلى الأمام. أمّا الثورة، فالثورة هي اللحظة الموجعة بين ما لا يمكن أن يستمرّ وبين الجديد الذي لم يولد بعد، ولهذا تحمِلُ الثورةُ من الشعب في الفرح، لتلدَ غَدَه الجديد. والثورة هي التي ربّتنا من أجلها. فالثورة هي أمّهاتنا عندما كنّ يَضَعْنَا باكياتٍ في هذا العالم البائس لنحيا ويفرحنَ، والثورة هي قلق آبائنا مذ جاء الوحش ودسّ السمّ في الطعام وأكثر من سكّر الكلام، والثورة حارات اللعب التي فتحت سماواتٍ في حجارة الجدران حولنا، والثورة هي معلّماتنا اللواتي قصصن لنا قصّة جناحين لعصفورٍ ضئيلٍ يعاند حجارة كوكب، والثورة أساتذتنا الذين قالوا أنّهم رأوا بنتًا تزلّجت يوما فوق أشعّة الشمس، وولدًا سبح في الناي الخفيف زمنًا أبعد من بلاد السندباد. والثورة نمت فوق يَدَي سائقٍ لعن بلاده كلّ يومٍ وأحبّها كلّ يوم، وفي جسم بقّالٍ توازن عمرًا فوق حبل الكلام بين جرحين: سكّين التاجر وحزن الجارة الدامعة. والثورة مُزارعٌ حدّقتْ حسرتُه طويلاً بهطول الليمون فوق التراب. والثورة يدان تشتاقان لمس قطعة قماشٍ دفنتها حكوماتٌ في مصانع النسيان. والثورة كَبُرَت بين شابٌ وصبيّة يفتّشان بجسميهما عن الأفق المنتحر بين صحن المصرفيّ وسكّينه. والثورة كبرت في الوادي السحيق بين الفعل والكلام، وفي التناقض بين ضيوف التلفاز المتأنّقين ورطوبة الغرفة، وفي الهاوية بين أنين المرضى وبياض المستشفيات. في فراغِ برّادات البيوت الخفيفة كبُرت الثورة. كبُرت في زوايا المدارس المسنّنة، وعتمِ الخطب الدينيّة؛ في الالتباس بين نعومة الهراوات وقساوتها، في رقصة القبائل الحكوميّة فوق أشباح وجوهٍ ذهبت يومًا ولم تعد؛ وفي وعود انتخابيّة هاربةٍ كالظلال. كبُرّت في جسمٍ سبعينيّ أو ثمانينيٍّ مقوّسٍ تحت ضغط الانتظار على كتفيه؛ كبُرَت في خصلة حصان ينتظر الموت في الحلبة. وكبُرت في بئر الغضب الذي ضغطَ نفسه في زجاجة الخوف طويلاً، في المرارة التي تناساها اللسان بلفائف تبغِ الكلام. كبُرّت في الوضوح الصارخ في قلبِ ألف جرح. كبرت حتّى انفجرت شعبًا ينمو. ينمو ويؤمن. فأن يؤمن الإنسان هو أن يقرّر أنّه على هذه الأرض، وقبل أن يغادر، وبما أنّه سيغادر، يريد أن يحيا إلى المنتهى، لا أن يعيش فقط. وأن يؤمن هو أن يرفض فيثور ويأمل. فالأمل ابن الإيمان كما أنّ المحبّة ابنة الحرّية، والأمل والمحبّة جناحي الثورة. أمّا الثورة فهي اللحظة الموجعة بين ما لا يمكن أن يستمرّ، وبين الجديد الذي لم يولد بعد، لكنّه أطلّ برأسه ويولد الآن. خريستو المرّ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |