الميلاد وإعادة اكتشاف العالم: الله الذي يلاعبنااعتدنا على العالم حتّى فقدنا الإحساس بالدهشة أمامه. ننظر الشجرة ولا نراها. نمرّ بالماء كما لو أنّه لا شيء. عدا الشعراء، معظمنا، لا يستعيد الدهشة إلاّ حين يرى ولدًا صغيرًا مدهوشًا أمام كائن نعتبره عاديًّا: شجرة، طائر، غيمة. ما زلت أذكر بوضوح عينيّ ابننا ألكسي يوم رأى فراشةً لأوّل مرّة! لاحقناها سويّة... الأطفال يكشفون سحر العالم لنا من جديد إن أخذناهم على محمل الجدّ. الأطفال معلّمو الدهشة، معلّمو الفرح بالعاديّ.
يدلّ الأهل أولادهم على فراشة أو زهرة، على عصفور، على لون ولون، على ملمس قطعة قماش، على صوت معدن، على طعم السكّر. ينزلون إلى مستواهم، يلاعبونهم، يتنكّرون معهم، يكلّمونهم، ويلاعبونهم كي ينمو الأولاد بالفرح والمعرفة. هكذا يلد الأهل أولادهم مرّة أخرى، ومرّات أخرى؛ ولو انتبهوا يولدون معهم أيضًا. يلاعبنا الله كما يلاعب الأهل أولادهم، يكلّمنا، كلماته جناحي فراشة، وردة، عصفور، موجة، جسمنا نفسه، يلاعبنا ويكلّمنا الله بالكون، بالكون الذي في الخارج، وبالكون الذي في الداخل، برغبتنا نفسها، بالرغبة التي لا تهدأ، ولا تشبع حتّى تجوع. ويومًا، منذ حوالي الألفي عام، نزل إلى مستوانا بشكل أوضح، جعل كلمته إنسانًا. ليس صعبًا على الفكر كثيرا أن يرى كلمة الله تتجسّد، المسلمون يرون كلمة الله تتجسّد في لغة وكتاب، والمسيحيّون يرون كلمة الله يتجسّد في إنسان. نزل الله إلى مستوانا بكلمة من عنده اسمه يسوع. هكذا يؤمن المسيحيّون. وكلمة الله أزليّ وله علاقة خاصّة مع الله يسمّيها المسيحيّون علاقة بنوّة، وبهذا المعنى المسيح هو ابن الله، فهو كلمته المتجسّد. أتى كلمة الله، نزل من عليائه وصار إنساناً، تجاوز تجاوزه لنا نفسه، لكي يلاعبنا بنفسه في مستوانا نحن، ومستوى فَهْمِنا نحن، ولغتِنا نحن. وكما يؤمن الأهل ويرجون، أنّ لَعِبَهم مع أولادهم سيلد أولادهم معنويّا ليصيروا على شبههم، نساءً ورجالاً، نمت قُدراتهم وأضْحوا متمايزين وواحدًا مع أهلهم بالمحبّة والحرّية (وليس بالعنف والتسلّط)، لا شكّ أنّ كلمة الله أمُل أنّه بإتمام لعبته معنا «لـمّا حان ملء الزمان»، بإتمامه لعبته وجهًا لوجه، وعلى مستوانا، بعدما كلّمنا بحضوره في كلمات شعره الأبديّ: الشمس، والنجوم، والسماء، الحبّ، الرغبة... أمُلَ أن نولد من جديد، أن نرى الكون من جديد، ونُدهَشُ به من جديد، ونصير جُدُدًا في المسيح، نصير مثله، فننمو بالمحبّة متمايزين عنه وواحدًا معه، بها [أي المحبّة]. ومن هنا، قال أثناسيوس الكبير من الاسكندريّة الرائعة أنّ «الله صار إنسانا ليصير الإنسان إلهًا». لعبة كلمة الله المتجسّد، الرائعة والمفرحة هذه، لعبة تعلّم فنّ الحبّ والحرّية هذه، مستمرّة، ولا تنتهي بالدخول إلى مملكة الحبّ الأبديّ إلاّ لتبدأ من جديد، «هناك» نلاحق يسوع من أفقٍ لأفق، في سلسلة آفاق يلد الواحد منها الآخر، في لعبة نموّ الإنسانيّ في الإلهيّ، تلك اللعبة المفرحة التي... لا تنتهي. خريستو المرّ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |