خريستو المرّ
الثلاثاء ٣ آب / أغسطس ٢٠٢١ في تجربة شهيرة (نُشِرَ البحث عام ٢٠٠٥) حول الإحساس بالعدالة عند القرود، قامت الباحثة سارة بروزنان والباحث فرانس دو وال بالتجربة التالية: أعطت الباحثة لكلّ من قردين بَحْصَةً صغيرة ثمّ مدّت يدها لتستعيدها، ثمّ ناولت قطعة من الخيار لكلّ قرد ما أن أعاد البحصة إليها، وكان القردان متعاونان. بعد ٢٥ مرّة من مبادلة البحص بقطع الخيار، عاملت أحد القردين بشكل غير عادل، إذ عند إعادة البحصة إليها ناولت أحدهما قطعة خيار بينما ناولت الآخر حبوبًا من الزبيب (وهي مرغوبة جدّا عند القرود). بعد فترة من تكرار الأمر، توقّف القرد الذي أُعطي قطعة الخيار عن أخذها وأعلن غضبه مرّات برمي قطع الخيار خارج القفص وأحيانا رمى البحصة أيضًا. وللتأكّد من أنّ القرد كان غاضبا من انعدام العدالة وليس فقط من مجرّد وجود قطع زبيب ليس باستطاعته الحصول عليها، أعاد الباحثان التجربة بالشكل التالي: أبرزت الباحثة الزبيب وقطع الخيار في بداية التجربة للقردين، وأبقت القطع أمامهما للتدليل أنّها من الممكن أن تعطيهما خيارًا أو زبيبًا، ولكن عند تعاونهما لم تعطهما إلاّ الخيار، ولم يغضب أيّ من القردين رغم وجود الزبيب وعدم حصولهما عليه، ممّا يؤكّد أنّ ما أثار الغضب في التجربة الأولى لم يكن مجرّد عدم القدرة على الحصول على الزبيب وإنّما عدم حصول أحد القردين على الزبيب في حين حصل الآخر عليها، أي أنّ السبب كان في انعدام العدالة في التوزيع. وفي تجربة مشابهة أخرى (نشرت نتيجتها عام ٢٠١٠)، مع نوع آخر من القرود هو البونوبو (bonobo)، أعطى الباحث «فرانس دو وال» قِرْدَةً واحدة من البونوبو حليبًا مع قطع زبيب كمكافأة لتعاونها، وحرم رفاقها المتعاونين منهما؛ فما كان من تلك القردة بعد فترة إلّا أن امتنعت عن أخذ الحليب والزبيب ورمتها على الأرض مُحَمْلِقَةً بالباحث ومشيرة إلى رفاقها، معلنة بذلك رفضها حالة انعدام العدالة بحقّ رفاقها! وكما هو الأمر في بعض الحيوانات القريبة من الإنسان، كذلك الأمر في الإنسان، إنّ حالة انعدام العدالة في المجتمعات مرفوضة من عمق البنية النفسيّة الإنسانيّة، ويحتجّ عليها الضمير بشكل صارخ. إنّ رفض اللاعدالة محفور في الضمير، أو مرسوم في صورة الله فينا، ويدفعنا دفعا للاحتجاج على الظلم والسعي لتحطيم أساساته. لا يمكن الاستمرار في الظلم دون ردّ فعل، المهمّ توجيه ردّ الفعل في برنامج سياسيّ-اقتصاديّ مرتكز على فلسفة عدالة، يمكنها أن تعتمد على نفس الإنسان التوّاقة إلى العدالة بحكم تكوينها. ما من أحد قادر أن يقتبل الإيمان إن لم يدافع عن الإنسان المظلوم، إن لم يتجاوب مع احتجاجات ضميره فيرفض أنظمة الظلم ويسعى لتجاوزها. إنّ الذي أحبّ بالقول وبالفعل، يسعى للعدالة على هذه الأرض لأنّ الظلم يدوس الإنسان. كيف نمدّ الأعياد بعد الأعياد، ونزرع حياة وسط الموت؟ هذا ألم وسرّ الذين أحبّوا. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |