خريستو المرّ – الثلاثاء ١٩ كانون أوّل/ديسمبر ٢٠٢٣
عندما تنظر في وجوه السياسيّين المسؤولين عن مجازر تقضي على حياة ملايين من البشر، تراها خالية من أيّة مشاعر، يحكمون ببرودة بالقضاء على البشر ويدافعون عن مواقفهم دون أن يشعروا بشيء تقريبًا، على الأقلّ في العلن، ومن المرجّح عندي أنّهم لا يشعرون بشيء عند الاختلاء بأنفسهم. فعندما يُلحِقُ الإنسان نفسَه بمؤسّسة بحيث أنّه يعامل ذاته ليس كإنسان أوّلًا وإنّما أساسًا كبرغيّ في آلتها، عندها قد يجني اكتفاءً وظيفيّا من كونه يحقّق مهمّته المطلوبة على أتمّ وجه، ويشعر بشيء من الاحترام أو الهيبة في الوسط الذي يحيط به، وبسلطة تسمح له بالسيطرة على من هم أدنى منه مرتبة وظيفيّة فيعطيه ذلك تعويضا عن الخواء الوجوديّ الذي يشعر به الإنسان عندما تكون حياته بلا إحساس؛ هكذا إنسان هو – على صعيد الإنسانيّة ميّت لأنّ لبّ الحياة التي يُمكن أن نسمّيها إنسانيّة هي ليست تلك التي تكتفي بالعيش الجسديّ المحض، وإنّما بالقدرة على إقامة علاقة من التعاطف مع الآخرين والقدرة على المحبّة، وإلّا ما الفرق بين الحيوان والإنسان؟ (لن أسترسل في برهان هذا الأمر). ملاحظتي هي أنّ النظام السياسيّ في الغرب، كما هو مطبّق، هو نظام زومبي يؤدّي إلى صعود مَن هم موتى داخليّا وأحياء خارجيّا إلى طبقة الحكم، وهؤلاء يؤدّون وظائفهم كبراغٍ في آلة الاستعمار المدمّرة. نظام الزومبي هذا الذي يجذب مشتهي السلطة، يمتصّ من هؤلاء الحياة الإنسانيّة قليلًا قليلًا خلال صعودهم السلّم الوظيفي حتّى يفرغوا تمامًا منها، وعندها يراهم النظام صالحين للوظائف العليا لخدمته. الخادم قد يكون رئيسا لدولة أو رئيسا لجامعة لا فرق (الحرب في غزّة أوضحت أنّهما زومبيّان في خدمة النظام)، المهمّ أن يكون خادمًا لاستمرار النظام لا المجموعة الإنسانيّة التي تحيا في ظلّ دولة ما. لهذا نرى حاليّا خلال حرب الإبادة الجماعيّة للاحتلال الصهيونيّ على غزّة الترداد الآليّ دون أيّة ذرّة منطق لكلمات مفاتيح «حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها» «معاداة السامية» «فظائع ٧ أوكتوبر»، والفيتو الأميركيّ وغير الأميركيّ، وكلّها تسعى إلى استمرار الإبادة ويُطالب عمليّا بمتابعتها (والفيتو يضمن هذه المتابعة) تحت مبرّرات لا تستقيم منطقيّا إذا اعتبرنا أنّ المنطق يأخذ بكلّ الوقائع وليس بالجزء الذي يخدم النظام. لكنّ البشر الزومبي يدركون أنّهم خدم، وأنّ النظام هو نظام تراكم الأرباح اللامحدود، وأنّه يحتاج إلى امتصاص الحياة البشر قبل حياة الطبيعة (كما عبّر الصديق علي قادري في مقابلة له أخيرًا)، أي أنّ أيّ استمرار لاستخراج الأموال، من المنطقة العربيّة مثلًا، مرتبط حكما باستخراج الحياة من أهلها أوّلا، بإخضاع أهلها إمّا بقتلهم (وهو أمر مكلف وغير ممكن) أو بإرهابهم بارتكاب إبادة بحقّهم. منطق نظام الزومبي هذا هو وراء الإبادة. لكن بينما ينجح نظام الزومبي في امتصاص الحياة من أولئك البشر الذين يرضون بحرّية أن يحوّلوا أنفسهم إلى براغٍ في خدمته، فإنّه يفشل في تحويل الفقراء إلى زومبي. هو قد ينجح في قتلهم أو في إخضاعهم إلى حين، إلّا أنّ الفقراء المقموعون لا يتحوّلون إلى زومبي لحسن الحظّ، ذلك أنّ الإنسان المقموع مخلوق مفطور على مقاومة القمع محبّةً بالحياة والحرّية. لا ينجح – ولا يسعى- نظام الزومبي إلّا في تحويل جزء من بلاد الفقراء، بضعة من الحكّام والصحفيّين والأساتذة جامعيّين والأطبّاء والمهندسين وغيرهم من غير الفقراء، إلى زومبي بحرّيتهم ليخدموا آلته التي تستخرج الحياة الإنسانيّة والطبيعة؛ فنظام الزومبي لا ينظر إلي البشر أو الطبيعة إلّا كمواد أوليّة للاستخراج بأبخس الأثمان. هكذا يصبح زومبي بلاد الفقراء براغٍ صغرى في نظام الزومبي، ويخدمونه كأنّهم أموات دون تعاطف مع ضحاياه. محاربة الإبادة التي يتعرّض لها أهلنا في غزّة مرتبطة بمحاربة نظام الزومبي عبر العالم، لهذا أكثر ما تتعاطف معه الشعوب المقهور التي اكتوت أو تكتوي بنظام الزومبي. نظام الزومبي رآه العديدون وسمّوه أسماء أخرى، سمّاه الشاعر الألماني غوته «مفيستو» (الشيطان) في مسرحيّته فاوست، ففاوست باع روحه لمفيستو مقابل تحقيق بعض أحلامه، ونظام الزومبي اليوم اسمه الرأسماليّة. فحذار نظام الزومبي الذي يمتصّ الحياة من الذين يقايضونه أرباحًا بأرواحهم. كما أنّ تقديس الله للإنسان يتطلّب مؤازرة حرّيته، فإنّ نجاح الزومبي بتحويل الناس إلى زومبي يتطلّب مؤازرة وموافقة من حرّيتهم أوّلا. أمّا الذين يقولون «لا» لنظام الزومبي ويقولون نعم للحرّية والحبّ هؤلاء يقدّسهم الله. أهلنا الأبطال في غزّة يرفضون ويقايضون أجسادهم بالحرّية. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |