خريستو المرّ
الثلاثاء 22 كانون أوّل/ديسمبر 2020 بعد أيّام ثلاثةٍ نكون في العيد، ويسأل الـمُخْلِصون أنفسهَم إن كان العيدُ فيهم، لأنّهم يشتهون أن يصيروا عيدًا. يسوع، الكلمةُ الإلهيّة الذي شاركنا إنسانيّتنا، "تغرّب منذ طفولته كغريب" كما نقول في الفصح. غربةُ يسوع تبدو جليّةً في الميلاد، في التهجير الذي عاشه أهله خوفًا من أوامر الموت التي أصدرها هيرودس. وهيرودس تكاثر في التاريخ، وإخوة يسوع في كلّ زمن تهجّروا بسيف هيرودس أو تساقطوا بأوامره، من أطفال بيت لحم إلى كلّ بريء اضطُهد في بلاده وخارجها. فكيف لا يكون الأبرياءُ إخوة يسوع أو يكون هو أخيهم؟ في الميلاد، يلتمع الألق الفصحيّ أيضًا في الذهب الذي قيل أنّ مجوسًا أهدوه لطفلِ المذود، فالذهب يُهدى للملوك. "أين هو المولود ملكُ اليهود" سأل المجوس، وعبارة "ملك اليهود" خطّها بيلاطس فوق صليب يسوع. هذا الذي جاء الدنيا عاريًا، أسلم الروح عاريًا ممتدًّا بين الأرض والسماء. في المذود صارت السماءُ أرضًا، لكي تصير الأرضُ سماءً فوق خشبة بسيطة. مريمُ العظيمةُ ولدت يسوع وسلّمته لشجرة الحياة فوق الجلجلة، واحتملت السيفَ الذي اجتاز احشاءَها لنولد نحن في مزود الحبّ الإلهيّ. ويلتمع الفصح أيضًا في المرّ الذي قدّمه المجوس. لاحقًا، فوق الصليب، سيتذوّق يسوع اسفنجةً ممزوجةً بالمرّ. أمّا اللبان، البخور، الهدية الأخيرة، فهو الطيبُ الزكيّ الذي تسكبُه السماءُ في المحبّين، تسكبُه فوق أرجلهم قبل أن يتوجّهوا نحو جلجلاتهم الكثيرة، قبل أن تدفنهم المجتمعاتُ خارج أسوارها على عجلٍ، إذا ما عرّاها حبُّهُم العاري من كلّ شيء إلاّ من نفسه. غريبٌ، غريبٌ هذا الملك الطفل الضعيف المرتجفُ، الفاتحُ عينيه على الهشاشةِ، وعلى دهشة الخليقة. غريبٌ، جميلٌ، وسيبقى جنونًا وفضيحةً لكلّ سلطة تتسلّط. لم يحتمل المختبئون في تسلّطهم جمال صورته فحاولوا قتله طفلاً، ثمّ شابًا، حاولوا أن يجعلوه على صورتهم "لا صورة له ولا جمال". لم يفهموا أنّ بذهابه في الغربة إلى أقصاها، إلى الموت، سطعَ يسوعُ حقيقةً إلهيّةً، وسطعت الإنسانيّةُ انتصارًا في الحبّ المكسورِ، وسطعَ الله رفيقًا لوحشتنا، فخرج من جنبه نهرُ تجديدِ الخليقةِ وخمرةُ المشاركة. لهذا، ربّما، لمح شاعرٌ في الميلاد "أنّ مملكتك الابديّة تجدّدت أزليّتها"، فكأنّما الميلاد جدّد أزليّة مملكة الحبّ، بالحبّ، حين صار المـُحِبُّ محبوبَه كما اشتهى. يحوّلنا الميلادُ أولادًا على أبواب الأبديّة المفتوحة، ليستقبلنا اللهُ نفسُه فَرِحًا، فنعود جُدُدًا إلى جذورنِا، لتبدأ مواسم الطرب. بالميلاد كُسِرَ حاجز العداوة مع الله نهائيًّا. صار اللهُ رفيق انكسارنا والحاضر اليوم، وكلّ يوم، في طيّات أجسادِنا ونفوسنا. بالميلاد مات الإله الـمُحارِبُ عن القبيلة، والإله الـمَلِك الجبّارُ، ليمْلُكَ الحبُّ الحنون، المطعون. بيسوع المرتجف في مذودٍ، أعلن الله أنّه تحت رحمة الإنسان وأنّه يقدّس الحرّية، وينادي القلوب بالحبّ الذي يخاطبُ الحبَّ. وتكتمل حكاية ميلادك يا طفل القدرة الكلّية، يا طفل الحبّ المرتعش المنتصر، يا قدرة الحبّ المجنون، حين نصبحُ رفاقَك، فيصبح كلّ شيء فينا وبين أيدينا، أكان عملاً أم فنّا أم علمًا أم ثقافةً أم مالاً، في خدمة الحبّ. ويخون الرِفْقَةُ مَنْ يطلبونَ منّا مَلِكًا «من العالم» بغطاءٍ ليس من العالم، فأنتَ تريد رفاقَك ملوكَ حبٍّ. ولهذا يتبعك المخلصون على كلّ بحيرةٍ غريبةٍ لأنّك ما تأخذهم الّا إلى أنفسهم الساطعةِ والعميقةِ الحياة بكلِّ كلمةٍ تخرج من فَمِك. يا حبيبُ، ميلادُك أعلن العيدَ في إنسانيّتنا، بعدما غَدَا اللقاءُ بين الله والبشر في المذودِ عيدًا. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |