الدم المضيء
الثلاثاء ٢٨ نيسان/ أبريل ٢٠٢٠ (إلى فوّاز السمّان شهيد لبنان في طرابلس) "هناك هيكليّات للعنف داخل البلد الواحد. لا بدّ لنا من الاحتجاج على السلطة التي تسلب الناس إنسانيّتهم" (المطران جورج خضر) "وماذا يعطي الإنسان فداء عن أحبّائه؟" سأل يسوع ولم يجب، جوابه كان ذهابه طوعا في مواجهةٍ للوحشيّة، الجميلة المنظر، المرفّهة، الحلزونيّة، المغتبطة بذاتها، المسلّحة بالقوانين وبالسلاح، والتي أبلغها قبل حين أنّها "تبلع الجمل وتغصّ بالبعوضة"، وأنّها تكذب كنفاق حجر ٍجميلٍ فوق قبرٍ... جوابه كان ذهابه طوعا في مواجهته حتّى النهاية، أي حتّى ولو قتلوه وقد قتلوه. مفارقة الشهداء أنّهم يحبّون الحياة ويقاتلون من أجلها، من أجل من يحبّون، وأنّ المتوحّشون لا يتركونهم يعلنون حبّهم للحياة إلاّ بالدم. السلطة إذا صارت هدف نفسها توحّشت. والذين يشهدون اليوم للحقيقة بأنّ السلطة متوحّشة في لبنان هؤلاء يصبحون شهداء للحقيقة. وشهادة الكلمة للحقيقة قد تقود إلى شهادة الدم، وقد قادت قبلا يسوع. ويبذل الإنسان دمه من أجل تأكيد الحقيقة لكون الحقيقة تلدنا في الله، والولادة "من فوق" أغلى من الدم، والدم الذي أُهرق على صليب الخبز اليوميّ، أكثر بلاغة من كلمات ومقالات وكتب طالعة من مَحَافظِ البنوك. تأتي شهادة الدم لتتوّج شهادة الكلمات التي نقول والتي نفعل، وهي توحّدنا بجسد المسيح وترسمه في عيوننا. ويمحو دم الشهداء الفرق بين كلماتهم وأفعالهم وأجسادهم وأرواحهم، فيصبحون أغانٍ في قصيدة الشاعر الأكبر. أصنام البطش فضّة وذهب، هي من أعمال جرائمِ الناس. لها إفواهٌ وقنواتٌ تلفزيونيّة وإذاعاتٌ ومواقع انترنت وصحفٌ ولا تتكلّم بالحقّ. لها عيون وكاميرات ولا تُبصر جريمة في وضح النهار. لها آذان وميكروفونات ومخابرات ولا تسمع حشرجة لا الموتى ولا الأحياء. مثلها هم صانعوها: أصنام ستنكسر يوما على صخرة صنم آخر، أو معول ثائر، وبالتأكيد سيكسرها الموت: عندها لا يمكنها أن تهرب من وجوهها، من تلك الفجوة الغائرة في القلب والتي تأكلها حتّى أعماقها. للشهادة الكلمة الأخيرة. هي الدم الذي يعلن أنّ الوجوه واحدة، وأنّ أجساد الفقراء دينونة الأغنياء. القادم من الصليب والقيامة يفهمون أن الوحدة مع المصلوبين هي خبزهم اليوميّ، وهي تجلّي أحلامهم بمعانقة الله. والذين واللواتي أطلقتهم العنصرة حضورا في العالم، يعرفون أنّهم مطالبون بأن يكونوا أكثر كثافة في الحضور في هذا العالم من المادّة، وأكثر شفافيّة من الريح التي لا يُعرف من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. يأتي الثائرون في هذا العالم، على وحشيّة هذا العالم، من المسيح، ويذهبون إليه. بهم نعرف كيف يمكن للضوء أن ويسمع ويرى يقول ويفعل. بهم نعرف كيف يمكن لنا أن نصير شركاء الثورة الإلهيّة على حجر القلب لتدحرجَه، فيعود النبض. لا يعرف الشهداء المحبّون الصفقات، هم تعلّموا من ريح تهبّ في القلب أنّ المُحبّ يموت من أجل المحبوب، وقد رأوا الله نفسه إنجيلاً فوق صليب؛ ولا تموت العصافير فوق صليب إلاّ لتطير إلى آفاق الحقّ، وتُطْلِق الأحياء نحو الشمس، وتضيء بدمها-حبّها الطريق. خريستو المرّ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |