خريستو المرّ
الثلاثاء 27 تمّوز/يوليو ٢٠٢١ في لبنان لم يكن السلم في لبنان سوى استمرارًا للحرب بطريقة أخرى. البلد قائم أساسًا على حرب من طرف واحد يشنّها الذين يَستغِلّون على الذين يُستَغَلّون. البلاد منذ الاستقلال شركة قائمة بين السلطة السياسيّة ومجموعة رجال أعمال لاستغلال ثروات البلاد لمصالحهم الفرديّة. لم يكن لبنان يومًا سويسرا الشرق، فسويسرا فيها الشيء الكثير من العدالة الاجتماعيّة المفقودة في لبنان حيث كان 40% من الشعب يعيش تحت خطّ الفقر، بينما كان يستحوذ حوالي 4% من السكّان على 84% من المدّخرات وعلى ثلث الدخل الوطنيّ، في ستّينات القرن الماضي، أي في عزّ "سويسرانيّة" لبنان. الوضع كما نعرف لا يختلف اليوم كثيرًا، فالتفاوت الطبقيّ بات أكثر توحّشًا. هذا النظام الإجراميّ الذي يطحن بالإفقار معظم الناس، والذي يدافع عنه، إضافة إلى المصرفيّين ورجال الاقتصاد والسياسيّة والعسكر، المؤسّسةُ الدينيّة التي تتكلّم عن الله وأنبيائه وقلبها مع السلطة والمال، والتي تعظ بالفقر والعفّة وتتنعّم بمفاعيل الاستغلال والجريمة. هذا النظام لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيّا، ولذلك احتاج لجيش من رجال الدين ولأدوات غسل الدماغ الإعلاميّة لكي يقبل به الناس. فعكف الإعلام ورجال الدين على غسل أيدي "الزعماء" الدينيّين والسياسيّين من دماء السكّان المصلوبين يوميًّا واتّهام "الآخرين" بالشرور، وإيهامنا بأنّ "كرامة" الناس لا تكمن في حقوقها، وإنّما في ضمان وهمٍ شائعٍ يُدعى "حقوق الطائفة". المؤسستان الدينيّة والإعلاميّة فلا تنشران الحميّة بين الناس إلّا دفاعًا عن مصالحهما التي تتناغم مع مصالح النظام القائم؛ ما عدا ذلك، تستفيد المؤسّستان من نشر التربية على الاستكانة، فتعلّي المؤسّسة الدينيّة شأن "الطاعة" على الشجاعة الأخلاقيّة، وتركّز على بُعد الشخص الذي ينمو باللطف والحرّية وتغيّب بُعد البُنى والأنظمة التي لا تتغيّر إلّا بالقوّة. ارتكاب جريمة 4 آب بالإهمال العمد، عرّت الوجه الإجراميّ للنظام، وأسقطت السُتُر التي يستتر بها المسؤولون والذي تراوحت بين عدم المعرفة، وعدم التدخّل "احترامًا" لفصل السلطات وعدم الاختصاص، والمطالبة بالتحقيق الداخليّ ثمّ رفض نتائجه، وحماية الجميع للجميع لأنّ الجميع مُرْتَكِب. كلّ ما نشاهده يكشف المجرمين بالأسماء والألقاب، من الأكثر تسلّحًا بينهم إلى الأقلّ. في بلد يتفاخر بالطوائف الابراهيميّة تشتمّ تحت أشكال عبادة الله رائحة عبادات كثيرة، عبادة صنم المال والسلطة، عبادة صنم "الزعيم"، عبادة صنم "الذات الجماعيّة" المدعوّة طائفة، عبادة صنم الذكورة، عبادة صنم العسكر. لا عجب والحال هذه أن تنحو نُظُم الحكم في بلادنا كلّها نحو التسلّط والاستغلال. وإن كان تحليلي صائبًا، يمكن استنتاج التالي: قُل لي مَنْ هو إلهك أَقُلْ لك من أنت. أي بتعبير آخر ملموس: قل لي ما هو موقفك من الإنسان أقل لك من هو إلهك الحقيقيّ. بلدٌ غارقٌ في عباداته الصنميّة لا يمكن إلّا أن يسحق الإنسان. منطقةٌ غارقةٌ في كفرها بالإنسان لا يمكنها أن تدّعي إيمانها بالله. لقد أفرغ السياسيّون اللبنانيّون كلّ تعبير شريف من معناه، فهم يريدون تحرير المظلومين ويريدون سيادة وطنهم ويحبّون الحياة وفي الآن عينه يرتكبون الظلم، وتحت شعار تحرير شعبٍ لا يمانعون بسحقه أو بسحق شعب آخر. ورغم ذلك علينا أن نعيد الشرف للغة ونستخدم التعابير في معناها الأصيل ونقول: حين نلتزم - فعلًا لا كلامًا، وصدقًا لا كذبًا – تحرير كلّ المظلومين (لا جماعتنا فحسب)، ونُترجم ذلك في تعاون جماعيّ لإنشاء سياسات وبُنى للعدالة الاقتصاديّة ومشاركة الخيرات، أي حين نصير حلفاء عمليّين للمقهورين في الأرض، عندها نكون قد عانقنا المسيح والانبياء بالفعل، وصرنا على شبههم. هذا ليس واقعيّ؟ صحيح، ومتى كان الإيمان واقعيًّا؟ أن يكون شيء لا واقعيّا لا يعني أنّه غير صحيح. مَن منّا لا يخطّط للمستقبل؟ كلّ تخطيط لمستقبل هو حتمًا لا واقعيّ، لأنّه يرى ما ليس بموجود، ولكنّه يراه صحيحًا ومُمكنًا. قبل أن يسقط أيّ ملك أو ديكتاتور أمام شعبه، كان سقوطه أمرًا لا واقعيّا. كلّ سلطة تسقط بالظلم. فلنسعَ أن تساهم صرخة أهالي شهداء 4 آب، وعملهم الشجاع، بتحقيقِ سقوطِ هذا السلطة الزائلة أمامنا بممارستها الظلم. القدسيّة للإنسان، ولا قدسيةٌ لأي نظام قائم، فكيف إن كان ظالمًا؟ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |