خريستو المرّ
الثلاثاء ٢٩ كانون أوّل/ديسمبر 2020 كيف يكتب الإنسان عن الجمال في قلب عالم يتمزّق؟ العالم جميلٌ، ومَن انتبه وجد - رغم كلّ شيء - خبرات جمال لا تنتهي ولا ثمن لها: وجههُ، وجهُ محبوبٍ، عينيه، جسدٌ فَرِحٌ بجغرافيّة لغته، ندىً فوق زهرة، قمرٌ مكسور يتخفّى خلف شجرة، صوتُ بحرٍ يكتب بأبجديّةِ موجهِ أغنيةً، ولدٌ يلعبُ، ولدٌ يصرخ راكضًا خلف أمٍّ على شكلِ حُلُمٍ بإله، جنسٌ يأخذنا إلى الموت الذي يُحيي، صديقٌ أو حبيبٌ يهديك دموعَ جراحه، إلهٌ يلعب معك الإستغمّاية، أسئلةٌ تتوالد كي تتجدّدَ أنت، أفقٌ يتّسع كلّما لامَسْتَهُ بأجنحتك، فرحُ ثورةٍ تهزّ عروش المتسلّطين، كرامةُ انسان لم ينحنِ لبعل، حرّيةُ إنسانٍ في الحقيقة، انكسارٌ يجمعك مِن تبعثر، ضحكةُ ولد... العالم مليء بالفرح. الألم أيضا كبير. من الألم ما يُرَدّ ومنه ما لا يُردّ، وما يردّ منه يجب تجنّبه ما أمكن: ألم إحراق مخيّم، ألم اعتداء، ألم تهديد، ألم الظلم، ألم المرض... ما من ميّزة جميلة في الألم بحدّ ذاته، لم يأتِ الخلاص من الألم أتى من الحبّ. المُحِبّ متألّم معظم الأحيان لأنّه حسّاس للظلم، يسوع أحبّ العالم فلم يُطِقهُ المتحكّمون ولهذا قتلوه. لم يستلذّ يسوع الألم ولم يسعَ إليه، هو مشى في الحبّ حتّى النهاية، أحبّ العالم حتّى الألم والموت من أجله. هذه شهادة حبّ لا شهادة ألم. السعي إلى الألم اضطراب في النفس، أمّا الألم الذي لا مفرّ منه (ألم مرض، ألم موت صديق، ألم مواجهة الظلم، ألم الاستقلال عن العشيرة) فأمرٌ آخر. يحتمل الإنسان هذا الألم حتّى يتجاوزه بمعونة المُحِبّين الأحبّاء، المناضلين من أجل الحياة. لكنّ الأمر الأكبر أن يشفّ الإنسان بالألم فيصبح أكثر تصميمًا على أن يرفعه عن الآخرين. يغدو عفويًّا فلاّح الفرح في العالم، رسّام الضوء في العتمة. هذا ليس خيالاً. وقائعُ تحويلِ اختبارِ الألم الشخصيّ إلى طاقة اندفاعٍ عفويٍّ من أجل الآخرين أكبر من أن تُحصى. نبكي، فنريد أن نرفع عن الوجوه كلّ دمعة. وفي هذا فرح كبير للوجوه جميعا. التجربة هي أن نبكي فنقف أمام مرآة دموعنا، الخروج من المأزق هو أن نحنو على وجوهنا المتألّمة فنحبّ كلّ الوجوه. هذا، عندها يحصل فرحٌ كبيرٌ في هذا العالم وفرح كبير في "السماء". ما من عامٍ جديدٍ يأتي، الجديدُ هو ما نصنعه في كلّ لحظة، ولكي تكون اللحظة مفرحة لا بدّ أن نعطي لأنفسنا فيها كلّ إمكانيّة أن تكون أفضل ما نكون «الآن». «إن سمعتُم... اليومَ... صوته فلا تقسّو قلوبكم». اليومَ، لا البارحة ولا غدًا... لا الماضي بين أيدينا ولا المستقبل، نحن لسنا موجودين سوى في هي اللحظة الآن. كلّ الأبديّة مكثّفة في هذه اللحظة الآن، في كلّ لحظة، في كلّ "الآنـات" التي تتوالى كالريح دون أن نمسكها. يهبّ الروح في اللحظةِ كلّ لحظةٍ، وكما أنّ يسوع قال أنّ الروح «يهبّ حيث يشاء ولا نعلم من أين يأتِ وإلى أين يذهب»، فقد قال في الجملة نفسها «هكذا كلّ مَن ولد من الروح»: مَنْ وُلِدَ من الروح الآن، يغدو شبيه الروح الآن، يحبّ الآن، فيهبُّ في هذا «الآن» روحَ فرحٍ تلامسُ القلوب، والذين تلامسهم لا يعرفونَ من أين تأتي ريح الفرح ولا إلى أين تذهب، فقط يعرفون أنّها فرحٌ في هذا العالم. هكذا يصبحُ العالمُ جديدًا، والزمن جديدًا، بمسيح الحبّ الذي جدّد العالم. كلّ عام وأنتم الفرح. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |