خريستو المرّ
الثلاثاء ١ كانون أوّل/ديسمبر 2020 بدون البُعد الجماعيّ ما من حياة إنسانيّة ممكنة. كلّ إنسان يحتاج إلى آخرين كي يحيا. بدءًا، الآخرون هم الأم والأب أو من ينوب عنهما، ثمّ الإخوة والأصدقاء. خلال الحياة، نجد دائمًا قواسمَ إنسانيّة مشتركة مع آخرين لنحيا كجماعة، أكانت تلك القواسم وطنًا أو دينًا أو لغةً أو مشروعًا؛ فالإنسان جماعيّ بطبعه، ويتوق إلى الوحدة مع الآخرين. العشاء الأخير كان مناسبة جماعيّة، وكذلك كانت العنصرة. الجامعات في بعض البلاد تقيم نشاطات مختلفة لعدّة أيّام خلال الأسبوع الأوّل من العام الدراسيّ لطلّاب السنة أولى، لكي تخلق بينهم أواصر وحدة تشعرهم بالانتماء إلى كيان جديد له مؤسّساته وعلاماته وشعاراته. نتوق إلى الجماعة ونرتاح إليها، وهذا كلّه جيّد. لكنّ القضيّة - كما أشدّد دائما – ليست في وجود الجماعة بل في نوعيّة علاقة الإنسان مع الآخرين داخل الجماعة وخارجها. هل الجماعة تربّي على وحدة عبيد لسيّد، أم على وحدة أحرار معًا؟ هل هي تربّي على وحدة متعالية عن الآخرين المختلفين، أم على الرسوخ بالوحدة الإنسانيّة بين الناس جميعا؟ ماذا عن الجماعة المسيحيّة؟ لم يدعُ يسوع الناس أن يكوّنوا مجرّد جماعة لها إيمان ما وشعارات ما، بل أوضح نوعيّة هذه الجماعة بقوله "كلّما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون بينهم"، الكلمة الأساس في الجملة هذه هي "باسمي". جماعة المسيحيّين ليست جماعة مسيحيّة إلاّ إذا اجتمعت باسم يسوع، يسوع الذي أحبّ العالم بهذا المقدار حتّى أنّه مات من أجله. جماعة المسيحيّين تكون مسيحيّة إن كانت جسد يسوع، إن طلبت على هذه الأرض ملكوت الله فعمل أعضاؤها مع الناس جميعا في خدمة المهمّشين جميعًا، إلى أيّ جماعات انتموا. جماعات المسيحيّين الطائفيّين، والكارهين للغرباء والملوّنين، والمحتقرين للنساء، والذين لا يريدون المشاركة في خيراتهم مع آخرين، هم جماعات لم تعد مجتمعة باسم المسيح، بل طَرَدَت المسيح من وسطها. الجماعة التي يسوع في وسطها لا تستكين لأرض ولغة وثقافة وطائفة ودين رغم تجذّرها في أرض ولغة وثقافة وطائفة ودين، لأنّها تعرف أنّ هويّتها الوجوديّة تكتسبها من المسيح-المحبّة، كما يكتسب العنب هويّته من الكرمة. قال يسوع مرّة "إن أحببتم من يحبّونكم فأيّ فضل لكم فالوثنيّون يفعلون ذلك أيضاً". هذا الربط الذي جعله يسوع بين الانغلاق على "محبّة" الجماعة الذاتيّة وبين الوثنيّة، يعني أنّ يسوع يرى أنّ ذاك النوع من "المحبّة" المغلقة بعيدٌ عن الله، "عتيقٌ". هو يدعو أتباعه إلى محبّة جديدة تجعلهم "إنسانًا جديدًا"، "خليقة جديدةً"، يدعوهم كي يتجاوزوا الميل الطبيعي للذين يشبهوهم بالهويّات المختلفة ليتمسّكوا بالهويّة الأصليّة: الهويّة الإنسانيّة المشتركة للجميع كبنات وأبناء لله. وعندما يدعو المسيح أتباعه أن "كونوا رحيمين كما أنّ أباكم السماويّ رحيم" (والرحمة تلتقي في جذورها مع الرحم الذي يتوسّع لينمو فيه إنسان ويولد جديدًا) فهو يدعوهم أن يوسّعوا حيواتهم وقلوبهم وعقولهم ليتعاونوا مع، ويخدموا، أولئك الذين لا يُشبهونهم، فيولد الجميع كخليقةٍ جديدة معمّدين بالنور الإلهيّ الذي يخترق كلّ شيء، فيعمّ الفرح. يخون أتباع يسوع هذه الدعوة، إن هم رفضوا "آخر" في الدين والطائفة والوطن، أو اهتمّوا لضحايا تشبههم ولم يأبهوا لضحايا لا تشبههم، فلم يعرفوا وجه يسوع في هذا وذاك. إن كان من مجتمع يمكن أن يسمّى "مسيحيًّا" فهو ليس ذاك الخالي من "الآخرين"، وإنّما ذاك الذي يصبح فيه الآخرون، وخاصّة المهمّشون، بشكل دائم في الوسط. هذا ما عاشه أهل مدينة بشرّي في لبنان الذين حموا العائلات السوريّة البريئة التي اضطُهدت جماعيّا لجريمةِ فردٍ واحد، وهذا ما رفضه الذين اضهدوها وكلّ سياسيّ يحرّض منذ سنوات على السوريّين ليجعل منهم كبش محرقة لنظامه الإجراميّ القائم. الآخر، الغريب، هو هواء إلهيّ-إنسانيّ، بدونه تختنق الجماعة في عبادةٍ لنفسها تُثمر قتلاً وتدميرًا. هذا ينطبق على كلّ جماعة، دينيّة كانت أم لا. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |