خريستو المرّ
الأحد ٤ أيلول آب / سبتمبر ٢٠٢٢ هناك أمران يجب أن يتنازعانا ونحن في مواجهة الفقر. الأوّل هو ملحاحيّة الحاجة، فمن هو لحاجة أن يأكل اليوم أو يتطبّب لا يمكنه انتظار تغيير الأنظمة واستتباب العدالة، من هنا ملحاحيّة المشاركة الماليّة في سدّ الحاجات الملحّة. ولكنّ الأمر الثاني الذي ينبغي ألّا ننساه هو أنّ الفقر ليس نتيجة مصادفة، أو حادث من حوادث الطبيعة التي لا يمكن ردّه، بل هو نتيجة سياسات اقتصاديّة ورؤية لكيفيّة حكم بلاد وشعب، وهذا أمر يعرفه الذين تمرّ بلادهم بأزمات اقتصاديّة حادّة ناتجة مباشرة عن سياسات نحرت الاقتصاد والسياسة وحوّلت البلاد إلى ملك شخصيّ لمجموعة قليلة تتقاسم المال والنفوذ على حساب الأغلبيّة، دون إغفال أنّ أعداء البلاد لا يودّون مساعدتها، وهو أمر يجب أن يكون متوقّعًا وعاديّا جدًّا. من هنا، يجب عدم إغفال ضرورة العمل على تغيير طرق الحكم، وللإنسان أن يقدّر ما هو الممكن فعله في ظروفه المحدّدة، قد لا يحبّ كلّ إنسان العمل العام، ولكن لا يمكن للإنسان يلبس عزفه عن العمل العام لإيمانه، لا يمكن تحويل الإيمان شمّاعة يعلّق عليها الإنسان عدم رغبته أو قدرته على ممارسة العمل العام (من المعروف مثلًا أنّ القدرة على ممارسة التأثير في الحقل العام في السياسة غير ممكنة في سوريّا كما هي في لبنان). من الضروريّ أن يقول الإنسان أنّ المسيحيّة التي تقول بضرورة رفع الظلم عن المظلومين تضطرّه إلى التفكير والتأثير في الشأن العام، في ما يُسمّى أحيانًا بـ"التزام شؤون الأرض"، دون أن يدين مَن يستطيع العمل في الشأن العام أولئك الذين لا يستطيعون ذلك وأن يُلبسوا المسيحيّة لباس مشروع سياسيّ محدّد، ودون أن يحاول مَن لا يستطيعون ذلك حشر المسيحيّة في خانة ديانة «روحيّة» لا علاقة لها بحياتنا على هذه الأرض، وبالطبع هذا هراء لأنّ كلّ عمل نأتي به هو هنا في هذه الأرض وعليها. هذا يُبقي على علاقات متوازنة ومُسالمة بين الناس دون استعمال للدين كوسيلة صراع من هذا الجانب أو ذاك. لا يوجد فقراء بالصدفة يوجد سياسات إفقار. بالطبع أتمنّى أن يعمل كلّ إنسان مؤمن مع غيره دون كلل لتغيير الأنظمة المولّدة للفقر، أنظمة الإفقار، لأنّ هذا هو الحلّ الجذريّ. ولكن حتّى ذلك الحين الدليل الملموس على أنّ الإنسان جدّي في محبّته للفقراء، وأنّه لا يستعمل تشديده على ضرورة الحلّ الجذريّ بتغيير الأنظمة عذرًا كي يتهرّب من مشاركة غيره بأمواله، فإنّ المشاركة جدّ ضروريّة وهي المحكّ الذي تُقاس به صدق محبّة الفقراء. المسألة هي في أين هو قلبنا؛ هل يتحرّك بالفعل أم بالمشاعر؟ حتّى المجرمون لديهم مشاعر بشريّة، كم مرّة رأينا سياسيًّا لصًّا مجرمًا يُدمِعُ على التلفاز؟ المحبّة ليست مجرّد مشاعر، هي ميل قلب، اتّجاه حياة، والمسألة هي في الفعل الذي يترجم ميل القلب، فميل هذا القلب يجب أن يُتَرجَم بشكل ملموس في هذا العالم ليتأكّد الإنسان من ميل قلبه. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |