خريستو المرّ
الثلاثاء ١٥ شباط/ فبراير ٢٠٢٢ مَن تجاوز أحقاد سرديّات الأحزاب المسمّاة زورًا "مسيحيّة" في لبنان (وكيف تكون كذلك وجميعها اشتركت في الاحتراب ثمّ في نهب المجتمع وممارسة ونشر العنصريّة) وتجاوز حفرة الاستهلاك التي يُدفن فيها الوعي، يرى في حياة الفلسطينيّين تنكيلًا يوميًّا على مستويين: سافر وخفيّ. مستوى التنكيل السافر المتمثّل بالطرد التعسّفي من المنازل، والنهب المتواصل للأراضي، وحظر حفر آبار أغراض زراعيّة، والاعتقالات، والقانون المفصّل على مقياس مشروع الاستعمار، ومنع التوسّع الحيويّ العمرانيّ، وألف طريقةٍ قانونيّة للقمع والاحتلال والطرد. أمّا مستوى التنكيل الخفيّ فيقع مجمله داخل دولة الاحتلال (أراضي ٤٨)، ويتمثّل بالحرمان من حقِّ الاجتماع العائليّ، والحرمان من حقِّ شراء أراضٍ، وحرمان البلدات الفلسطينيَّة من التمويل، والتمييز في تمويل المدارس العربيَّة، والتمييز الصحِّيّ ضدَّ الفلسطينيّين، والتمييز في حقوق، والتمييز العنصريّ في النظام التعليميّ (هل يجرؤ كنديّة أو كندي من مناصري إسرائيل على تصوير السكّان الأصليّين في كندا كعبءٍ وتهديد!). إسرائيل مشروع مراكمة أرباح بواسطة القمع والنهب. عندما تحتلّ أرضًا أنت تخلق لصالحك أرباحًا بملايين أو مليارات الدولارات من لا شيء. حَوَّل المشروع الاستعماريّ الاسرائيليّ السكّان الأصليّين إلى طبقة كادحة مُفَقَّرة من العاملات والعمّال اللواتي والذين يمكن استغلالهم في سوق العمل وتابعَ النظام الاستعماريّ هذا "مراكمة الأرباح بواسطة التدمير" (والتعبير للفذّ علي القادري في كتابه: نظريّة في العمل القسريّ A theory of forced labor)، وبات ينظر إلى موارد المنطقة وشعوبها كمغانم متوفّرة يمكن الاستيلاء عليها. ولا يضرّ الاحتلال استتباع بعض المتموّلين الفلسطينيّين المتعاونين الذين يراكمون ثرواتهم من قربهم من مواقع «السلطة الفلسطينية» التي يراكم بعض أفرادها ثرواتهم من قربهم من سلطة الاحتلال. لا يضرّ طالما أضحى دعم «عملية السلام» وجه آخر لتعميق الاستعمار (إقرأ مقالة آدم هنيّة "وهم أوسلو"). في خضمّ عالم سطوة المال الذي يخدّر الضمير، لا يمكن لمن تمسّك بضميره أو عاد إليه، أن يعتبر أنّ لا شأن له بفلسطين ولو على صعيد الرأي. فمن لا يستطيع أن يغيّر ظلمًا بيده، فيمكنه أن يحاول تغييره بلسانه، وإن لم يكن فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، على ما يقول لي حديث شريف. والوضع لا يتعلّق فقط بظلم الفلسطينيّين، بل بظلم اللبنانيّين والسوريّين، لا يمكن تناسي عشرات آلاف القذائف وآلاف المدنيّين ومعتقلات التعذيب، والترهيب، لا يمكن لمن يعتبر نفسه مؤمنًا بإله مُقسِطٍ عادل يُنهي عن الظلم، أو لمن يظنّ نفسه مؤمنًا بالحرّية ويرغب بالاستقلال ويبغض البطش، أن يعتبر أنّ ما يحدث في فلسطين لا يعنيه. "وما هو الحقّ؟" سأل بيلاطس يسوع في غمرة محاكمته بتهمة عصيان قيصر، وكان المتديّنون الراغبون بقتله يتّهمونه أساسًا بالخروج عن الدين القويم. سؤال بيلاطس أتى إثر قول يسوع "أتَيْت إلى العالم لأشْهَدَ للحَقّ". لكنّ يسوع لم يُجِبْ بيلاطس على سؤاله. من يريد الجواب عن ماهيّة الحقّ فإنّ ضميره يجيبه، وإلّا فكلّ أدلّة الدنيا لن تكفيه. ربّما بصمته كان يسوع يعيد أيضًا متّهميه إلى ذواتهم ليجدوا فيها الجواب، ربّما كان صمتُه يقول بأنّ بدء الدين القويم ضميرٌ ساهرٌ على الحياة وبأنّ الضمير له أولويّة على السلطة أكانت للدين أم لقيصر، "ولهذا أردف، كلّ مَن هو من الحقّ يسمع صوتي"، كلّ من اختار أن يسمع صوت الله في ذاته يسمع صوت يسوع، فيشهد مثله للحقّ. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |