خريستو المرّ
الثلاثاء ٢٥ كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٢ الموت باب سيجتازه كلّنا، لكنّ موتُ إنسانٍ لأسباب يمكن تجنّبها لا يُحتَمّل، ويدين مجتمعه بأكمله. لا أحد بريءٌ من موتٍ كان يمكن تجنّبه، وإن كانت المسؤوليّة تختلف بين الساكت عن المظالم وبين الذي يرتكبها. هكذا موت يعكس ظُلمًا والظُلم لا يُحتمل. الظلم أمرٌ لا يتّفق مع الطبيعة البشريّة في صفائها، أي في وضعها الفطريّ الـمُتعاطف مع الآخرين. أمام الظلم، أمام موت إنسانةٍ من البرد أو من الجوع (كيف تصمت الضمائر أمام مجاعة أهل اليمن!)، لا ينبغي أن نقبل الواقع، لأنّه لا يعكس موتا طبيعيًّا نتيجة صدفةٍ أو مصائب الطبيعة وإنّما نتيجةُ واقعٍ ظالم. السؤال الكبير لدى العديدين: أين الله من ذلك كلّه؟ لكنّ من يقرأ الكُتُب يعرف أنّ السؤال الأكبر لله: أين أنتم من ذلك كلّه؟ بحسب ما يُعرف من الكتب المقدّسة، وما خلا ما ندعوه بالعجائب، فإنّ الله يتمّ مشيئته يتمّها بواسطة الناس، ومشيئته هي ما اعتدنا أن نراه بشكل فطريّ أنّه خيرٌ، ولا تتضمّن مطلقًا أيّ مصيبةٍ أو شرّ. الله ارتضى أن يكون الإنسانُ شريكَه في العمل، في بناء عالم عدل ورحمة. الألم من الظلم شاملٌ، حتّى الظالم يتألّم ولو لم يعِ ذلك لأنّ جرائمه تكاد تحوّله إلى شيء. يبقى أنّ الألم حاضر في المظلومين بشكل أكثر تشعّبا وشدّة لأنّه ألم جسديّ (جوع، برد، قلّة تغذية، مرض) ونفسيّ (انعدام حيلة، أفق مسدود، تضاؤل الفرص). كل هذا الألم لا معنى له بحدّ ذاته، ويجب إزالته. كقاعدة، لا يزيل الله هذا الألم مباشرة وإنّما بواسطتنا. الله إلى الآن يعمل، ويريدنا أن نعمل معه. عملنا على الأرض هو الذي يجسّد محبّة الله ورحمته للبشر، لهذا المؤمنات والمؤمنون «دينونتهم» كبيرة إذا ما أحجموا عن المشاركة. ليس أنّ الله يدينهم، وإنّما هم يدينون أنفسهم، بانغلاقهم على ذواتهم، والبقاء على مستوى مشاعر عاطفيّة غير فاعلة بالأوضاع. أن يكون الإنسان مع الله هو أن يحبّ الإخوة، وأن يحبّ هو أن يشارك، بالمشاعر وبالمال وبالوقت... وبالسعي لرفع الظلمِ، زارعِ الآلام، بالسعي لمجابهة النتائجُ الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة للخطيئة. وعدا الألم الذي يمكن ردّه بالعدل، هناك ألم لا يمكن ردّه كألم مرض لا دواء له، أو ألم فقدان نتيجة موت طبيعيّ، إلخ. هذا الألم أيضا لا معنى بحدّ ذاته، هو جزء من طبيعة هذا الكون الصادر من العدم غير المتمتّع بالكمال. كلّ ألم لا معنى له بحدّ ذاته. المعنى هو ما نصنعه نحن في كلّ وضع. في الحالات الاستثنائيّة قد لا يسمح الظرف بأيّ قدرة على الحركة أو حتّى الوعي، ولكن في الأوضاع العاديّة وهي الأوسع اختبارًا، علينا أن نجد جوابا عن السؤال التالي: ماذا نفعل؟ طالما هناك آلام لا يمكن ردّه، أكان بسبب طبيعة الكون أو بسبب الظلم، فالسؤال هو دائما ماذا يمكننا أن نفعل؟ هل ننغلق على أنفسنا؟ هل نشارك ما أمكن؟ هل نستكين؟ هل نثور؟ هل نتعاون مع غيرنا؟ هل نشارك في الظلم؟ السؤال هو كيف نخلق جوابًا على مستوى آلامنا. في الألم إمكانيّة يأسٍ وفرصةُ إيمانٍ كبير (بالمعنى الواسع للعبارة)، فرصة أن نصيغ فرصة مشاركة، وفرصة قول «لا» للظلم، والـ«لا» تتّخذ أشكالا عديدة. الأطفال، في بداياتهم، هم أفضل من يقول «لا»، وربّما وجهٌ من وجوه كلمات يسوع "إن لم تصيروا كالأطفال لا تدخلون ملكوت السماوات"، هو وجهُ رفضِ الظلم من جهة، ووجه التعاضد الذي يبديه الأطفال تلقائيّا أمام موجوع، من جهة أُخرى. إيمانيًّا، علينا أن نخشى ألّا نكون على مستوى آلامنا، وألّا نكون على مستوى آلام غيرنا. الجواب الأكبر على سؤال الله "أين أنتم من هذا كلّه" هو طريقة حياة تقول "لا" للظلم وتقول "نعم" للتعاضد مع المهمّشين، طريقةُ حياةٍ تشفّ عن حبٍّ متجسّدٍ بألف ومضة وومضة. من المؤلم حقًّا أنّ معظم أصحاب المناصب الكنسيّة مشغولون بشغفِ المال والسلطة، ومنعِ أيّ إمكانيّة شفافيّة في الإدارة الماليّة لكي يبقوا على البذخ، وتبقى بيدهم جرعةُ تخفيفِ الألمِ بتوزيع الفتات، متمثّلين بذلك على أكمل وجه صورة مافيا السياسية. لكن أمام هذا الألم علينا أن نندفع إلى مزيدٍ من التعاطف والحبّ لا إلى أقلّ منه، إلى مزيد من الالتزام لا إلى أقلّ منه. هذا هو جواب إيمانيّ، وهو يوحّدنا مع يسوع الممتدّ بحجم الأبديّة حبًّا، على صليب. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |