خريستو المرّ
الأربعاء ١٦ آذار ٢٠٢٢ (عيد تأسيس حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة) لم يكن الضوء الذي بدا لي من شبّاك الحرب جليّا بعد. كلّ ما أعرفه أنّ الحرب عتمةٌ لها شكل الكثرة التي لا تتركك كي تغترب عمّا تشتاق إليه نفسك، ويتصحّر فيك الشوق إلى الضوء. الجدران كانت تتكثّف على صفحات الزجاج والكآبة تتثاءب على صفحات وجوه النساء في حاراتٍ قديمة. النساء يختبئن في الأمّهات الزوجات، والرجال يتضاءلون فيتّكئون على ظلالهم كي تمرّ زمجرة الحديد وهم واقفون، يـُخَبّئون تضاؤلهم في مارد من ظلٍ وحكايات عن كرامة قديمة. كان الأطفال وحدهم يركضون بين شظايا الموت، يضحكون ثمّ يبكون، وفي وجمٍ يصمتون إذا سَرَقَت سطوةُ النارِ روحًا من تلك الأرواح التي لا يعرفها إلّا الأطفال عندما يندهشون أمام فراشة. لكنّ الشوق حديقةٌ يلعب فيها القلب كي تشربه الطفولة ويشربها. مَن يعرف الشوق الذي بلا غروب يصبح كمن من نار. وأنا عندما غادرت الطفولة التي تشتاق إلى ابتسامة ولعبٍ، ووصلتُ البلاد التي يشتاق فيها الإنسان إلى مكان تحت الشمس يقول فيه أنا ونحن، فتّشتُ في الكتب فأخبرتني عن جمالٍ في حكايات. لكنّ حكايةً أخرى كان لها طريق إليّ، طريقٌ مستقيم بخطوط متعرّجة، أو ربّما طريق متعرّج هو بخطوط مستقيمة. هي حكايةُ ذاك الرجل الذي خرج يـُحبّ ويقول أحِبّوا، فجعلوه ملكًا واستوى على عرشٍ من مسامير وخشبتين. كان هو الذي خاطبني. حكى لي وربّما حكاني، وهو الذي يحكيني بقدر ما يسمحَ لهُ خوفي من الموت الذي يخطّ فيّ السلاسل. حكايةُ يسوع تلك قالها لي فمُ حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة. رأيتُ في الحكاية مَن يفتّش عنّي خارج الأسوار فخرجت، ومن وقتها لم أجد باب المدينة. المدينة حلوة، ولكنَّ المرارة كان طعما لا مفرّ منه خارج الأسوار، وحسبي أنّي أردت وأريد أن أكونَ نحنُ ونفسي دون اختلاط، ولا تحوّل، ولا انقسام، ولا انفصال. لم أجد ذهبًا إلّا في وجه الشمس التي لفحتني بأجنحة ريحٍ تُفَتِّتُ القلبَ فيغدو نبعًا. قيل أنّه كان يجب أن يجدني البخور الذي جاء به المجوس ليسوع الطفل في مزوده ولهذا جهدت أن أبكي كطفلٍ إذا عضّت صحراءُ الهامش أحدًا. كان زاديَ في الرحلة خارج الأسوار بضعُ أرغفةٍ وسمكةٌ أو سمكتان، سلّمتني إيّاهم مدينةٌ بحريّةٌ تجلس ملكةً مكلّلةً بالفقرِ والنسيان. وكانت الحركة سلّمتني سرًّا قديمًا يقول للخبز كُنْ فيكون، وللسمكِ تكاثرْ فيتكاثر، وللماء صِرْ خمرَةَ عُشّاقٍ فيصير. قيل أنّه سرّ سلّمه مجنونٌ تعشّى مع قاتله، قبل موته بقليل. وكنتُ قرأتُ في مكانٍ ما أنّ الله مجنونٌ حبًّا وأنّ الإنسان قادرٌ على الارتفاع إلى الجنون الإلهيّ. الأسرار بعدها تفتّحت كوردة: إمرأة علّمتني أنّ الإنسان يمكنه أن يكون نبعًا وشمسًا دون أن يعلم، حياتها تحكي النبعَ الذي يرى ماءَه عاديًّا، ووجهها يقول الشمس البسيطة الشارقة دون جهد دون أن تعلم. أصدقاء علّموني أنّ الحقول تزهر بلا سبب، أساتذة علّموني أنّ الفكر خادم الحبّ، بسطاء علّموني أنّ القلب للفكر عمقٌ لا قرار له. وأنا حاولت أن أكتب الحكايات، لم أفعل شيئا من عندي وإنّما كما أسمع الصوت في الحكايات أحكي، وحكاياتي تحتمل الصواب والخطأ منّي وليس من الحكاية، وأنا جلّ ما أطلب أن أشفّ حتّى لا أخفي الجمال، جمال الحكاية. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |