خريستو المرّ
الثلثاء 12 تشرين أوّل / أكتوبر ٢٠٢١ في 5 تشرين أول 2021 أفاق العالم على زلزال تقرير اللجنة المستقلة المعنية بالاعتداءات الجنسيّة في الكنيسة في فرنسا والمؤلّفة من أخصّائيين في علوم النفس، وأستاذة في علوم الاجتماع والأناسة والحقوق والأخلاق والسياسة، وأطبّاء، وقضاة، ولاهوتي واحد كاثوليكيّ ولاهوتيّة واحدة بروتستانتيّة. 330 (ثلاثمائة وثلاثون) ألف اعتداء على أطفال في الكنيسة قام بها كهنة وعاملون في الحقل الكنسيّ داخل رعايا الكنيسة الكاثوليكيّة في فرنسا على مدى 70 عامًا (حصّة الكهنة 216 ألف ضحيّة من 330 ألف). هذا التقرير "الحادّ والمخيف"، بحسب رئيس لجنة الأساقفة الكاثوليك في فرنسا المطران مولين بوفور، يحسم بأنّ المشكلة ليست من الماضي وبأنّه "يجب أن نتخلص من فكرة أنّ هذا العنف الجنسيّ قد انتهى. المشكلة باقية [اليوم]". ويقدّر التقرير عدد المعتدين ما بين 2900 إلى 3200 (أي أنّ كلّ معتدٍ قام بـالاعتداء على 103 إلى 113 شخص). لعلّ أهمّ كلماته التقرير أنّه "لن يكون هناك إمكانيّة للعيش المشترك دون حقيقة"، فالضحايا بشهادتهم أمام اللجنة باتوا "كتّابا للحقيقة" بتعبير رئيس اللجنة الثاقب جان مارك سوفيه. بشجاعةٍ تقوم الكنيسة الكاثوليكيّة حاليّا بعمل جبّار لكسر حاجز الصمت ومراجعة مواقفها من الاعتداءات الجنسيّة التي مارسها كهنة وعلمانيّون فيها، وغطّاهم نظام كامل قائم على الصمت، وعلى حماية المرتكبين وتهميش الضحايا. لا يمكن لأيّ عاقل إلّا أن يستنتج أنّ الاعتداءات الجنسيّة على الأطفال (والبالغين والنساء خصوصًا) موجودة في الكنيسة الأرثوذكسيّة في كلّ بلد. لكنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة التي تتباهى بتاريخها وعراقتها وعقائدها السليمة، تلجأ بجبنٍ بالغ إلى طمر الحالات وإخفائها حيث أمكن. بناء على الوضع في فرنسا نظنّ بأنّ حالات الاعتداءات الجنسيّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة في بلادنا عبر السنين تقدّر بعشرات الآلاف، هذا في الوقت الذي يبلغ فيه عدد اللجان العلنيّة العامّة والكنسيّة الداخليّة التي تبحث في هذا الواقع صفرًا، وهذا الصفر هو بالضبط عدد الأوراق المكتوبة المنشورة من الكنيسة في الموضوع. دينونة الكنيسة الأرثوذكسيّة أنّها ترى ذاتها بأنّها الكنيسة التي حافظت على العقيدة القويمة، على "الحقيقة" المسلّمة مرّة واحدة للقدّيسين. بينما ترى الكنيسة الأرثوذكسيّة ذاتها تجلٍّ لقول يسوع "الحقّ يحرّركم"، تقيّد الإنسان الملموس ضحيّة الاعتداءات الجنسيّة، وتهمّشه عوض أن يكون في وسطها، ولا ترفع اصبعًا إلّا لكتم صوت الضحايا وتدعيم غطاء الصمت. لكنّنا ننسى أنّه إن كان الإيمان دون الأعمال ميّت كما كتب بولس، فهذا يعني أنّ العقائد دون أفعال ميّتة. إن لم يتمّ العمل الجاد لتغيير هذا الوضع المخزي في الكنيسة الأرثوذكسيّة سيستمرّ الكذب وتستمرّ الخديعة. هناك حاجة لتهديم كلّ وهمٍ لكي يحيا الإنسان بالحقّ والحرّية. هذا عمل ضروريّ ولن يكون دون أن يقوم كلّ مؤمن ومؤمنة بكسر حاجز الصمت، دون أن يقوموا بالاجتماع لحمل كلّ قضيّة حقّ وطرحها في العلن، ولمساءلة المسؤولين عن واجباتهم، دون أن يعملوا لرفع حاجز الصمت وإعطاء الضحايا مجالًا ليكونوا "كتّاب الحقيقة" وسطَ الكنيسة، حيث يسوع هو الحقيقة في كلّ حقيقة والضحية في كلّ ضحيّة. من الملاحظ أنّه كلّما قرأ الإنسان عن المبادئ العامّة أُعجِب بها، ولكن ما أن ينتقل البعض من الكلام العام إلى الوضع الملموس أحسّوا بالضيق وحاولوا تجنّب الوضع الملموس. مقالتي السابقة كانت تتكلّم بشكل عام عن الوقوف إلى جانب الإنسان الملموس، مقالة اليوم تتكلّم عن واقع ملموس، عن جرائم حقيقيّة واقعيّة بيننا. المتحرّشون بالنساء والأطفال ما يزالون يمارسون وظيفتهم الكنسيّة بكلّ حماية. بدء المواجهة يكون بأن نتحلّى بالشجاعة الإنجيليّة وأن نتعاون في جماعات ضاغطة تصغي لصوت الضحيّة. الكنيسة الأرثوذكسيّة الرسميّة لا تريد أن تسمع، وقد قسّت قلبها مرارًا وتكرارًا أمام صوت الضحايا، أمام صوت الروح في صوتهم! لا يكن أحد منّا نحن غير الرسميّين هكذا، إن سمعنا صوت الضحايا فلا نقسّي قلوبنا لأنّ كلّ منّا مسؤول أن يكون إنسانًا، ومعًا مسؤولون عن حياتنا جميعًا في الكرامة والحرّية. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |