الثلاثاء ٢٢ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٠
خريستو المرّ كيف يكون الإنسان محايدًا في ديانة ترى أنّ كلمة الله تجسّد في العالم، وصار العالم فيه، وأنّه دشّن الملكوت هنا والآن، ودعانا أن نكمل البناء معه؟ بيسوع، لم يعد العالم بمادّته منفصلًا عن السماء ولا الملكوت أمرًا بعيدًا نسير إليه لنصل يومًا ما. بيسوع، السماء بدأت تشعّ في الداخل، في داخل الإنسان وفي داخل هذا العالم، وتحوّل الكون إلى مكان لقاء. يسوع، كما نقرأه في الإنجيل، لم يكن محايدًا أمام أوجاع الناس، بل كان مواجهًا للظالمين والمتسلّطين، وهذه المواجهة دفعت الخائفين على سلطتهم إلى محاولة إنهاء رسالة يسوع بقتله. كلّنا نعرف أنّ قتله أدّى إلى اشتعال رسالته عبر الإمبراطوريّة الرومانيّة. بالطبع لم يحوّل يسوع الأفكار والناس والعلاقات بشكل سحريّ، لكنّ رسالته عبرت التاريخ ودخلت في صراع معه، وبشكل أدقّ مع الناس وأفكارهم وأفعالهم، لتحوّلها وتحوّل بهم التاريخ. وهذا الصراع سيستمرّ حتّى اليوم الذي يفتح الله التاريخ على الأبديّة. رسالة يسوع هي تحرير البشر من الخطيئة ومفاعيلها، من إخطاء هدف المحبّة ومن مفاعيله (فالخطيئة تعني حرفيّا: إخطاء الهدف). وما مفاعيل إخطاء هدف المحبّة إلاّ علاقات الشرّ، وبُنى الشرّ التي ننحتها في قلب المجتمعات، ومن يقول بُنًى يقول ليس فقط مظاهر الشرّ (كالفقر) وإنّما أيضًا السياسات المولّدة له (كالسياسات السياسيّة والاقتصاديّة)، ليس الظلم فقط وإنّما السياسات المولّدة له. الحياد ليس واردًا مع يسوع، فهو قال إنّ "من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرّق" (لو 11: 32)، وحسم بذلك أنّ موقف الحياد أمام الشرّ وبنى الشرّ في المجتمعات غير وارد، هو دشّن الملكوت في «لحم» هذا العالم وينتظر منّا أن نساهم معه في نزع بنى الشرّ وإبدالها ببنى المشاركة (فالمشاركة تعبير المحبّة الأوضح). واللامبالاة غير واردة مع يسوع، فنسمع في الرؤيا "كن حارًّا أو باردًا ولا تكن فاترا، الفاتر يتقيّأه الله"، لا يمكن للإنسان المسيحيّ أن يعزل نفسه عن أوجاع الناس ويتحصّن في «آدميّته»، أي في مجرّد عدم فعل الشرّ، فالساكت عن الحقّ شيطان أخرس كما قيل. ومن لم يعمل بشكل فاعل لكي يتوهّج ضوء الملكوت في تراب هذا العالم، وأحجم عن المساهمة في إطعام يسوع في الجائع، وإعطائه ماء في العطشان، وإيوائه في الغريب، وعمل على تغيير البنى المولّدة للفقر والعطش والغربة والقهر، معرَّضٌ لئلّا يدخل ملكوت السماوات، كما حذّرنا يسوع نفسه. ومَن هو ذاك الذي يعمل مع يسوع؟ قد يكون ذاك الإنسان مسيحيًّا بشكل رسميّ وقد لا يكون. فكلّ المحبّين المناضلين بروح الإنجيل من أجل الحقّ، المقاومين للظلم، قد ضمّوا أنفسهم إلى صدر يسوع، ويسوع قد سبق فأعلن – على عكس رغبات الطائفيّين من الأديان جميعًا وبخاصّة الطائفيّين العنصريّين المسيحيّين – أنّ الكنيسة ليس ناديًا مغلقًا مملوكًا من الذين تعمّدوا باسم يسوع، فعندما قال له تلاميذه إنّهم منعوا إنسانًا عن الاهتمام بأوجاع الناس ومناهضة مفاعيل الشرّ باسم يسوع، فقط لأنّه ليس واحدًا منهم ولا يتبعهم، أجابهم يَسوعُ: "لا تمنَعوهُ... لأنَّ مَنْ ليس علَينا فهو مَعنا" (مرقس 9: 40). ليس بالضرورة أن يكون الإنسان من دائرة الرسميّين كي يكون من أتباع المسيح. كلّ من يصارع ضدّ الشرّ بروحيّة الإنجيل هو في خطّ يسوع. جسد يسوع الممتدّ في التاريخ، أي ملء وكامل الكنيسة الكلّية التي عيّن يسوع ظهورها يوم الدينونة، ليست ناديًا مغلقًا وحكرًا على أحد. نحن نستطيع أن نعرف من هو منتمٍ إلى الكنيسة الرسميّة ولا نعرف من هو فيها منتمٍ بالحقيقة إلى يسوع، ولا مَن ضمّه يسوع إليه مباشرةً خارجها. الإخلاص ليسوع يفرض التعاون مع الناس كلّهم في صراع مماثل للصراع الذي خاضه يسوع، لأجل إرساء سياسات حياة في المجتمعات، مؤمنين وراجين أن نؤلّف معهم منذ اليوم تباشير كنيسة الله الكلّية التي ستتجلّى في اليوم الأخير. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |