خريستو المرّ
الثلاثاء 18 كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٢ صدر البارحة عن مطرانيّة بيروت المارونيّة بيانا مهمًا حول الاعتداءات الجنسيّة في الكنيسة المارونيّة في مطرانيّة بيروت[1]. يتكلّم البيان بلسان مطران بيروت والكهنة والرهبان والراهبات ويبدي الأسف والاستنكار والرفض "لكلّ لانتهاك وتحرّش جنسيّ وجسديّ ونفسيّ، ارتكبه أو قد يرتكبه" أحد منهم "بحقّ القاصرين والأشخاص المستضعفين"، ويبدي البيان احترامه للضحايا باعترافه بإدراك "الآلام والآثار النفسيّة" التي عانوا منها. ثمّ يطلب منهم واضعوا البيان في سابقة "الصفح والغفران من جميع الضحايا" وفي هذه الجملة اعتراف صريح وواضح بوقوع ضحايا، واعتراف غير مباشر بتقصير المسؤولين الكنسيّين في القيام بواجباتهم فلا أحد يطلب الصفح إلّا عن خطأ ارتكبه. يتابع البيان بلسان المطران شخصيّا بالعمل جاهدًا "إلّا تتكرّر مثل تلك الأفعال" وهو اعتاف صريح آخر واضح بوقوع تلك الأفعال، وهذا أقرب تصريح يشير إلى أنّ منصور لبكي ارتكب ما أثبتته محكمة الفاتيكان والمحكمة المدنيّة الفرنسيّة. وبكلمات لا لبس فيها يتعهّد مطران بيروت بولس عبد الساتر إلّا يتستّر على مرتكب "لن أتسامح قطعًا مع مرتكبيها، ولن أغطّي جريمتهم" ويتابع ليقول للناجين "حرصي الشديد على متابعة كلّ قضايا المعتدى عليهم حتّى النهاية". وأخيرًا، نأتي إلى بيت القصيد الذي يتجاوز النيّات الحسنة والكلام الممتاز إلى الفعل الملموس فيعلن المطران عبد الساتر نظرًا لالتزامه بتوجيهات البابا بإنشاء ما دعونا إليه مرارًا في مقالاتنا "مكتب خاص يهتمّ بتلقّي الشكاوى" يمكن لمن "تعرّضوا [لانتهاكات] في الماضي أو يتعرّضون اليوم" أن يلجأوا إليه لمتابعة قضاياهم وفقا للقانون مع المحافظة على "سرّية هويّة الشخص المعتدى عليه"؛ ويعلن عن رق لتلقّي الشكاوى (07-943484). لا يمكن التخفيف من أهمّية هكذا بيان يصدر في ايّة كنيسة في بلادنا. هو بيان-فتحٌ يسمّي الأمور بأسمائها ويقطع مع تقليد بغيض في كلّ الكنائس يقتضي حماية الإكليروس للاكليروس والصمت عن ارتكابات رفاق المهنة. كما يقطع البيان مع قلّة علم ودراية عند الإكليروس جرّت قلّة اخلاق وانعدام إحساس بمعاناة الناجين الذين مارس المسؤولين بحقّهم أبشع أنواع الترهيب والتهميش. يبقى أنّ هناك عدّة خطوات ضروريّة ليطمئنّ قلب المؤمنين. أين الوضوح في قضيّة لبكي؟ قضية لبكي هي المحكّ في جدّية مطرانيّة بيروت. من الضروري القول بدون أيّ لبس ولا مداورة من مداورات أبو كسم في المركز الكاثوليكي للإعلام الذي كاد يُغبى عليه على التلفاز في محاولته التهرّب من القول الصريح بأنّ لبكي مرتكب، وتجرّأ على اتّهام إحدى الناجيات بأنّها المجرمة. بالإضافة إلى ذلك فإنّ استقبال مطران بيروت العلنيّ للناجيات من فظائع لبكي، مثلًا، يمكنه أن بعطي إشارة واضحة حول حدّية الاهتمام بالضحايا. ويضع طلب "الصفح والغفران من جميع الضحايا" موضع التنفيذ. ويبقى عدّة نقاط غامضة وتحتاج إلى توضيح لاحق نتمنّاه: ممّن يتشكّل المكتب؟ هل هو مؤلَّف من كهنة وإكليروس فقط، أم هناك متخصّصون في علوم القانون والنفس وغيرهما؟ هل هو مؤلَّف من كهنة وإكليروس فقط، أم أنّه مكوّن أيضًا من أعضاء علمانيّين موثوق بهم ومستقلّين ليتمّ تعطيل ذهنيّة اللفلفة؟ هل هناك رجال فقط أم يوجد أيضا نساء مستقلّات موثوق بهنّ حتّى يستفرد الرجال بحماية الرجال؟ هل المتابعة "وفقا للأصول القانونيّة" التي ذكرها البيان تقتصر على القانون الكنسيّ أم أنّ المكتب سيعمل على رفع الغطاء الكنسيّ عن المتّهمين بالارتكاب لتتمّ بالفعل ملاحقتهم في القانون المدني ّاللبنانيّ؟ (نذكر في قضيّة بندلايمون فرح أنّ "الهيئة الاتهامية في الشمال تخلّفت بعد ذلك عن إنجاز تحقيقاتها مكتفية بإلغاء مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحقّ فرح من دون أن تصدر قرارها الاتّهامي أو تتّخذ أي قرار للتحقيق في القضية. وقد أسهم في ذلك تعطيل العدالة" كما ذكرت المفكّرة القانونيّة[2]، ولا يخفى عن عاقل أنّ التغطية الكنسيّة التي تلقّاها هي التي سمحت بذلك). ما هي آليّة العمل للمكتب وكيف تضمن استقلاليّته من التدخّلات؟ هل عمل المكتب شفّاف لتعود الثقة بأنّه لا يوجد نيّة بلفلفة القضايا؟ هل يوجد خطّة تربويّة للتوعية حول موضوع التحرّش؟ هل سيعظ دميع الكهنة بمحتوى البيان ويقرؤونه على العموم في الكنائس في عظة الأحد المقبل ليصبح معلوما من المؤمنات والمؤمنين؟ هل ستُقام ندوات تربوية حول الموضوع في الأبرشيّات؟ هل سيدخل موضوع التحرّش على المناهج التربويّة للمدارس المارونيّة على الأقلّ تلك التابعة لأبرشيّة بيروت؟ ما هي السياسات التي ستتّبعها الأبرشيّة حول انفراد الكهنة والرهبان بفتى أو فتاة، برجل أو امرأة، لكي تقلّل من إمكانيّة حصول تحرّش؟ هل ستعمل المطرانيّة على إزالة هالة القداسة عن الثوب الكهنوتي والرهبانيّ لتثبّتها من جديد على وجه الإنسان؟ الأسئلة هذه لا نوردها إلّا للتدليل على أنّ موضوع التحرّش قد يبدأ بفتح مكتب للشكاوى أو خطّ ساخن للدعم ولا ينتهي به، هناك سياسات يجب أن تُرسّم وتحتاج لمتخصّصين، المطرانيّة يمكنها أن تشكّل المحرّك الأوّل لهكذا ورشة، ولا يمكنها أن تعملها وحدها، بل مع المتخصّصين ومع الشعب المسؤول الأوّل والأخير عن ذاته. هكذا يؤخذ طلب الصفح والغفران إلى نهاياته، إلى التوبة، إلى تغيير الذهن الضروريّ حتّى لا تتوه المؤسّسة ولا يتوه المسؤولون عن الهدف من جديد. [1] https://www.facebook.com/maronitebeirut/photos/a.1669578700002737/2781917562102173/ [2] "المفكرة" تنشر القرار الظنّي بحقّ الأرشمندريت بندلايمون فرح، المفكرة القانونية، 3 كانون أوّل 2021 https://legal-agenda.com/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d8%aa%d9%86%d8%b4%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b8%d9%86%d9%91%d9%8a-%d8%a8%d8%ad%d9%82%d9%91-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1/ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |